تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ} (89)

[ الآية 89 ] وقوله تعالى : { فله خير منها } قيل فيه بوجوه :

أحدهما : { من جاء بالحسنة } بالتوحيد توحيد ربه [ يوم ]{[15195]} البعث { فله خير منها } .

[ والثاني ]{[15196]} : مجيئه ربه بالتوحيد إذا ختم به فله ما ذكر ؛ شرط المجيء به ، ولم يقل : من عمل بالحسنة فله كذا ، لأن الرجل ، قد يعلم بالحسنات ، ثم يفسدها ، ويبطلها ، فلا يثاب بها عليها ، ليعلم أن ما ينتفع بالحسنات في الآخرة الحسنات{[15197]} التي ختم بها عليها ، وجاء بها ربه .

[ والثالث ]{[15198]} : قوله : { فله خير منها } أي ما يعطى في الآخرة له من الثواب والجزاء إنما يكون من الحسنة التي كانت منه في الدنيا ، منها تكون له جميع الخيرات في الآخرة .

[ والرابع ]{[15199]} : { فله خير منها } أي الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم [ مغفرة وأجر كبير }{[15200]} [ هود : 11 ] .

[ والخامس ]{[15201]} : أي رؤية الرب ولقاؤه خير مما أعطي غيرها من الخيرات على ما يكون في الدنيا رؤية الملك ولقاؤه على الرعية أعظم وأفضل عندهم من غيره من الكرامات ، وإن عظمت ، وجلت .

[ والسادس ]{[15202]} : ذلك الثواب والجزاء في الآخرة خير مما عملوا به من الخيرات في الدنيا ، لأن الثواب وجوبه الفضل والرحمة لا الاستيجاب والاستحقاق ؛ إذ في الحكمة والعقل وجوب العمل ، وليس فيهما وجوب الثواب في ما هو سبيله فضل الله خير مما هو غيره .

لكنه عورض بأن كل ما كان سبيل وجوبه الحكمة والعقل خير مما كان سبيل وجوبه الإفضال ؛ إذ ما كان سبيل وجوبه بالحكمة والعقل لا يسع تركه . وما كان وجوبه الإفضال ، له تركه . لكنه قال{[15203]} : إن قوله { فله خير منها } أي في طباعكم ووهمكم ذلك الثواب خير من ذلك ، لا أنه في الحقيقة خير . وهو كقوله : { وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] أي في طباعكم .

وعندكم أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه ؛ إذ ليس شيء أهوان على الله من شيء .

ولكن عندكم أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وهم من فزع يومئذ آمنون } أخبر أنهم إذا أتوا ربهم بالتوحيد يكونون آمنين من فزع ذلك اليوم وهوله .


[15195]:- ساقطة من الأصل وم.
[15196]:- في الأصل وم: و.
[15197]:- في الأصل وم: الحسنة.
[15198]:- في الأصل وم: وقال بعضهم.
[15199]:- في الأصل وم: وقال بعضهم.
[15200]:- في الأصل وم: كذا.
[15201]:- في الأصل وم: وقال بعضهم.
[15202]:- في الأصل وم: وقال بعضهم.
[15203]:- الضمير يعود على صاحبه هذا الوجه.