البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ} (89)

ولما ذكر علامات القيامة ، ذكر أحوال المكلفين بعد قيام الساعة .

ثم لخص ذلك بقوله : { من جاء بالحسنة فله } ، إلى آخر الآيتين .

{ والحسنة } : الإيمان .

وقال ابن عباس ، والنخعي ، وقتادة : هي لا إله إلا الله ، ورتب على مجيء المكلف بالحسنة شيئين : أحدهما : أنه له خير منها ، ويظهر أن خيراً ليس أفعل تفضيل ، ومن لابتداء الغاية ، أي له خير من الخيور مبدؤه ونشؤه منها ، أي من جهة هذه الحسنة ، والخير هنا : الثواب .

وهذا قول الحسن ، وابن جريج ، وعكرمة .

قال عكرمة : ليس شيء خيراً من لا إله إلا الله ، يريد أنها ليست أفعل التفضيل .

وقيل : أفعل التفضيل .

فقال الزمخشري : { فله خير منها } ، يريد الإضعاف ، وأن العمل ينقضي والثواب يدوم ، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد . انتهى .

وقوله : وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد ، تركيب مختلف فيه ، فبعض العلماء منعه ، والصحيح جوازه .

وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون للتفضيل ، ويكون في قوله : { منها } ، حذف مضاف تقديره : خير من قدرها واستحقاقها ، بمعنى : أن الله تعالى تفضل عليه فوق ما تستحق حسنته .

قال ابن زيد : يعطى بالواحدة عشراً ، والداعية إلى هذا التقدير أن الحسنة لا يتصور بينها وبين الثواب تفضيل . انتهى .

وقيل : ثواب المعرفة الحاصلة في الدنيا هي المعرفة الضرورية الحاصلة في الآخرة ، ولذة النظر إلى وجهه الكريم .

وقد دلت الدلائل على أن أشرف السعادات هي هذه اللذة ، ولو لم تحمل الآية على ذلك ، لزم أن يكون الأكل والشرب خيراً من معرفة الله تعالى ، وذلك لا يكون .

وقرأ الكوفيون : { من فزع } ، بالتنوين ، { ويومئذ } ، منصوب على الظرف معمول لقوله : { آمنون } ، أو لفزع .

ويدل على أنه معمول له قراءة من أضافه إليه ، أو في موضع الصفة لفزع ، أي كائن في ذلك الوقت .

وقرأ باقي السبعة : بإضافة فزع إلى يومئذ ؛ فكسر الميم العربيان ، وابن كثير ، وإسماعيل بن جعفر ، عن نافع ، وفتحها ، بناء لإضافته إلى غير متمكن ؛ نافع ، في غير رواية إسماعيل .

والتنوين في يومئذ تنوين العوض ، حذفت الجملة وعوض منها ، والأولى أن تكون الجملة المحذوفة ما قرب من الظرف ، أي يوم ، إذ جاء بالحسنة ، ويجوز أن يكون التقدير : يوم إذ ترى الجبال ، ويجوز أن يكون التقدير : يوم إذ ينفخ في الصور ، ولا سيما إذا فسر بأنه نفخ القيام من القبور للحساب ، ويكون الفزع إذ ذاك واحداً .

وقال أبو عليّ ما معناه : من فزع ، بالتنوين ، أو بالإضافة ، ويجوز أن يراد به فزع واحد ، وأن يراد به الكثرة ، لأنه مصدر .

فإن أريد الكثرة ، شمل كل فزع يكون في القيامة ، وإن أريد الواحد ، فهو الذي أشير إليه بقوله : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين ؟ قلت : الفزع الأول : ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة نفع ، وهو يفجأ من رعب وهيبة ، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به .

والثاني : الخوف من العذاب . انتهى .