إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ} (89)

وقولُه تعالى : { مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا } بيانٌ لما أُشير إليه بإحاطةِ علمِه تعالى بأفعالِهم من ترتيبِ أجزيتِها عليها أي مَن جاءَ منكُم أو من أولئكَ الذين أتَوه تعالى بالحسنة فله من الجزاءِ ما هو خيرٌ منها إمَّا باعتبارِ أنَّه أضعافُها وإمَّا باعتبارِ دوامِه وانقضائِها . وقيلَ فلُه خيرٌ حاصلٌ من جهتِها وهو الجنَّةُ . وعن ابنِ عَّباسٍ رضي الله عنهما : الحسنةُ كلمةُ الشَّهادةِ { وَهُمْ } أي الذينَ جاءوا بالحسناتِ { مّن فَزَعٍ } أي عظيمٍ هائلٍ لا يُقادر قَدرُه وهو الفزعُ الحاصِلُ من مشاهدة العذابِ بعد تمامِ المُحاسبةِ وظهورِ الحَسَنات والسيئاتِ وهُو الذي في قولِه تعالى : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر } ٍ[ سورة الأنبياء ، الآية103 ] وعن الحَسَنِ رحَمهُ الله تعالى حينَ يُؤمر بالعبدِ إلى النَّارِ . وقالَ ابنُ جريجٍ : حينَ يذُبح الموتُ ويُنادِي المنادي : يا أهلَ الجنَّةِ خلودٌ فلا موتَ ويا أهلَ النَّارِ خلودٌ فلا موتَ .

{ يَوْمَئِذٍ } أي يومِ إذْ يُنفخ في الصُّور { آمِنُونَ } لا يعتريهم ذلكَ الفزعُ الهائلُ ولا يلحقهم ضررُه أصلاً ، وأما الفزعُ الذي يعتري كلَّ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ غيرَ مَنِ استثناه الله تعالى فإنَّما هو التَّهيبُ والرُّعبُ الحاصلُ في ابتداءِ النَّفخةِ من معاينةِ فنونِ الدَّواهي والأهوالِ ، ولا يكادُ يخلُو منه أحدٌ بحكم الجبلَّةِ وإنْ كان آمِناً من لُحوق الضَّررِ . والأمنُ يُستعمل بالجارِّ وبدونِه كما في قولِه تعالى : { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله } [ سورة الأعراف ، الآية99 ] وقرئ من فزعِ يومئذٍ بالإضافةِ مع كسر الميم وفتحِها أيضاً والمرادُ هو الفزعُ المذكورُ في القراءةِ الأُولى لا جميعُ الأفزاعِ الحاصلةِ يومئذٍ . ومدارُ الإضافةِ كونُه أعظمَ الأفزاعِ وأكبرُها كأنَّ ما عداهْ ليس بفزعٍ بالنسبةِ إليهِ .