السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ} (89)

كما قال تعالى : { من جاء بالحسنة } أي : الكاملة وهي الإيمان ، وعن ابن عباس الحسنة كلمة الشهادة { فله خير } أي : أفضل { منها } مضاعفاً أقلّ ما يكون عشرة أضعاف إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وقيل له خير : حاصل من جهتها وهو الجنة وفسر الجلال المحلي الحسنة بلا إله إلا الله ، وقال في { فله } خير منها ، أي : بسببها فليس للتفضيل إذ لا فعل خير منها وهذا يناسب القول الثاني { وهم } أي : الجاؤون بها { من فزع يومئذ } أي : يومئذ إذ وقعت هذه الأحوال العظيمة { آمنون } أي : حتى لا يحزنهم الفزع الأكبر .

وقرأ يفعلون ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء التحتية على الغيبة ، والباقون بالفوقية على الخطاب ، وقرأ وهم من فزع يومئذ آمنون الكوفيون بتنوين العين ، والباقون بغير تنوين وهم أعمّ فإنه يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم ، وأمّا قراءة التنوين فتحتمل معنيين من فزع واحد وهو خوف العذاب ، وأمّا ما يلحق الإنسان من الرعب ومشاهدته فلا ينفك منه أحد ، ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف وهو خوف النار ، وقرأ نافع والكوفيون : بفتح الميم من يومئذ والباقون بكسرها فإن قيل : أليس قال تعالى في أوّل الآية { ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } ( النمل ، 87 ) فكيف نفى الفزع ههنا ؟ أجيب : بأنّ الفزع الأوّل لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع أو هول يفجأ إلا ما استثنى وإن كان المحسن آمناً من لحاق الضرر ، وأما الثاني فهو الخوف من العذاب .