فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَا وَهُم مِّن فَزَعٖ يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ} (89)

{ من جاء بالحسنة } أي من جاء بجنس الحسنة يوم القيامة { فله } من الجزاء والثواب عند الله { خير } أي أفضل { منها } وأكثر وقيل : خير حاصل من جهتها ، والأول أولى ، وقيل : الحسنة هي الإخلاص ، وقيل :أداء الفرائض ، والتعميم أولى ، ولا وجه للتخصيص ، وإن قال به بعض من السلف .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من جاء بالحسنة فله خير منها قال : هي لا إله إلا الله ، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار قال هي الشرك " وإذا صح هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمصير إليه في التفسير متعين ، ويحمل على أن المراد قال لا إله إلا الله بحقها ، وما يجب لها ، فيدخل تحت ذلك كل طاعة ، ويشهد له ما أخرجه الحاكم في الكنى عن صفوان بن عسال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة جاء الإيمان والشرك يجثوان بين يدي الله سبحانه فيقول الله للإيمان انطلق أنت وأهلك إلى الجنة ، ويقول للشرك انطلق أنت وأهلك إلى النار ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من جاء بالحسنة فله خير منها يعني قول لا إله إلا الله ، ومن جاء بالسيئة يعني الشرك فكبت وجوههم في النار " .

وأخرج أبو الشيخ ، وابن مردويه ، والديلمي عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من جاء بالحسنة يعني شهادة أن لا إله إلا الله ، فله خير منها ، يعني بالخير الجنة ، ومن جاء بالسيئة يعني الشرك فكبت وجوههم في النار ، وقال هذه تنجي وهذه تردي " وعن ابن مسعود وابن عباس مثله ، وعنه قال : خير منها أي من جهتها ، وقال أيضا خير أي ثواب قيل : وهذه الجملة بيان لقوله : إنه بما تعملون خبير ، وقيل بيان لقوله : وكل أتوه داخرين .

{ وهم من فزع يومئذ آمنون } قرئ من فزع بالتنوين وفتح ميم يومئذ ، وقرئ بفتحها من غير تنوين ، وقرئ بإضافة فزع يومئذ ، قال أبو عبيدة : وهذا أعجب إلي لأنه أعم التأويلين ، لأن معناه الأمن من فزع جميع ذلك اليوم ، ومع التنوين يكون الأمن من فزع دون فزع . وقيل : إنه مصدر يتناول الكثير فلا يتم الترجيح بما ذكر ، فتكون القراءتان بمعنى واحد وقيل : المراد بالفزع ههنا الفزع الأكبر المذكور في قوله : لا يحزنهم الفزع الأكبر ، وقد تقدم في سورة هود كلام في هذا مستوفي .