معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

قوله تعالى : { ولا تدع مع الله إلهاً آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه } أي : إلا هو ، وقيل : إلا ملكه ، قال أبو العالية : إلا ما أريد به وجهه ، { له الحكم } أي : فصل القضاء ، { وإليه ترجعون } تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

{ ولا تدع مع الله } تعالى { إلها آخر } أي : واحذر أن تعبد مع الله تعالى إلها آخر . فإن الحال والشأن والحق أنه { لا إله } مستحق للعبادة { إلا هو } وحده عز وجل .

{ كل شيء } في هذا الوجود { هالك } ومعدوم وزائل { إلا وجهه } عز وجل .

{ له } سبحانه { الحكم } النافذ الذي لا مرد له .

{ وإليه } وحده { ترجعون } أيها الناس فيحاسبكم على ما قدمتم وما أخرتم { يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله } .

وبعد : فهذه سورة القصص وهذا تفسير لها ، نسأل الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه . ونافعا لعباده .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلََهاً آخَرَ لاَ إِلََهَ إِلاّ هُوَ كُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كلّ شيء معبودا آخر سواه . وقوله : لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول : لا معبود تصلح له العبادة إلاّ الله الذي كلّ شيء هالك إلاّ وجهه .

واختلف في معنى قوله : إلاّ وَجْهَهُ فقال بعضهم : معناه : كلّ شيء هالك إلاّ هو .

وقال آخرون : معنى ذلك : إلاّ ما أريد به وجهه ، واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقولالشاعر :

أسْتَغْفِرُ اللّهَ ذَنْبا لَسْتُ مُحْصِيَهُ *** رَبّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ

وقوله : لَهُ الحُكْمُ يقول : له الحكم بين خلقه دون غيره ، ليس لأحد غيره معه فيهم حكم وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول : وإليه تردّون من بعد مماتكم ، فيقضي بينكم بالعدل ، فيجازي مؤمنيكم جزاءهم ، وكفاركم ما وعدهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

هذا النهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر ، والمقصود به إبطال الشرك وإظهار ضلال أهله إذ يزعمون أنهم معترفون بإلهية الله تعالى وأنهم إنما اتخذوا له شركاء وشفعاء ، فبين لهم أن الله لا إله غيره ، وأن انفراده بالإلهية في نفس الأمر يقضي ببطلان الإشراك في الاعتقاد ولو أضعف إشراك ، فجملة { لا إله إلا هو } في معنى العلة للنهي الذي في الجملة قبلها .

وجملة { كل شيء هالك إلا وجهه } علة ثانية للنهي لأن هلاك الأشياء التي منها الأصنام وكلُّ ما عبد مع الله وأشرك به دليل على انتفاء الإلهية عنها لأن الإلهية تنافي الهلاك وهو العدم .

والوجه مستعمل في معنى الذات . والمعنى : كل موجود هالك إلا الله تعالى . والهلاك : الزوال والانعدام .

وجملة { له الحكم وإليه ترجعون } تذييل فلذلك كانت مفصولة عما قبلها . وتقديم المجرور باللام لإفادة الحصر ، والمحصور فيه هو الحكم الأتم ، أي الذي لا يرده راد .

والرجوع مستعمل في معنى : آخر الكون على وجه الاستعارة ، لأن حقيقته الانصراف إلى مكان قد فارقه فاستعمل في مصير الخلق وهو البعث بعد الموت ؛ شبه برجوع صاحب المنزل إلى منزله ، ووجه الشبه هو الاستقرار والخلود فهو مراد منه طول الإقامة .

وتقديم المجرور ب ( إلى ) للاهتمام بالخبر لأن المشركين نفوا الرجوع من أصله ولم يقولوا بالشركة في ذلك حتى يكون التقديم للتخصيص .

والمقصود من تعدد هذه الجمل إثبات أن الله منفرد بالإلهية في ذاته وهو مدلول جملة { لا إله إلا هو } . وذلك أيضاً يدل على صفة القدم لأنه لما انتفى جنس الإلهية عن غيره تعالى تعين أنه لم يُوجده غيرُه فثبت له القدمُ الأزلي وأن الله تعالى باق لا يعتريه العدم لاستحالة عدم القديم ، وذلك مدلول { كل شيء هالك إلا وجهه } ، وأنه تعالى منفرد في أفعاله بالتصرف المطلق الذي لا يرده غيره فيتضمن ذلك إثبات الإرادة والقدرة . وفي كل هذا ردّ على المشركين الذين جوزوا شركته في الإلهية ، وأشركوا معه آلهتهم في التصرف بالشفاعة والغوث .

ثم أبطل إنكارهم البعث بقوله { وإليه ترجعون }