فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

{ ولا تدع مع الله إلها آخر } فإنه تعريض بغيره ، ثم وحد سبحانه نفسه ووصفها بالبقاء والدوام فقال : { لا إله إلا هو كل شيء } من الأشياء كائنا ما كان .

{ هالك } في حد ذاته ، لأن وجوده ليس ذاتيا ، بل لاستناده إلى واجب الوجود ، فهو بالقوة وبالذات معدوم حالا ، والمراد بالمعدوم ما ليس له وجود ذاتي ، لأن جوده كلا وجود ، وأما حمل هالك على المستقبل فكلام ظاهري قاله الشهاب .

{ إلا وجهه } أي : إلا ذاته . قال الزجاج : وجهه منصوب على الاستثناء ولو كان في غير القرآن كان مرفوعا ، بمعنى كل شيء غير وجهه هالك ، وقضية الاستثناء إطلاق الشيء على الله تعالى ، وهو الصحيح ، لأن المستثنى داخل في المستثنى منه ، وإنما جاء على عادة العرب في التعبير بالأشرف على الجملة ومن لم يطلقه عليه جعله متصلا أيضا ، وجعل الوجه ما عمل لأجله سبحانه ، فإن ثوابه باق قاله الكرخي .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : " لما نزلت كل من عليها فان قالت الملائكة هلك أهل الأرض فلما نزلت كل نفس ذائقة الموت ، قالت الملائكة : هلك أهل السماء والأرض " . وعنه قال : إلا ما أريد به وجهه ، والمستثنى من الهلاك والفناء ثمانية أشياء نظمها السيوطي في قوله :

ثمانية حكم البقاء يعمها *** من الخلق والباقون في حيز العدم

هي العرش ، والكرسي ونار ، وجنة *** وعجب وأرواح ، كذا اللوح والقلم .

{ له الحكم } أي القضاء النافذ يقضي بما شاء ويحكم بما أراد { و إليه } أي إلى جزائه ، أو إليه وحده { ترجعون } في جميع أحوالكم في الدنيا وعند البعث ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته لا إلى غيره سبحانه وتعالى .