الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فحذره الله عز وجل أن يتبع دينهم، فقال سبحانه: {ولا تدع} يقول: ولا تعبد {مع الله} تعالى {إلها آخر} فإنه واحد ليس معه شريك، ثم وحد نفسه جل جلاله، فقال: {لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه} يقول سبحانه: كل شيء من الحيوان ميت، ثم استثنى نفسه جل جلاله بأنه تعالى حي دائم لا يموت، فقال جل جلاله: {إلا وجهه} يعني: إلا هو {له الحكم} يعني: القضاء {وإليه ترجعون} أحياء في الآخرة، فيجزيكم عز وجل بأعمالكم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كلّ شيء معبودا آخر سواه.

وقوله:"لا إلَهَ إلاّ هُوَ" يقول: لا معبود تصلح له العبادة إلاّ الله الذي كلّ شيء هالك إلاّ وجهه.

واختلف في معنى قوله: "إلاّ وَجْهَهُ"؛

فقال بعضهم: معناه: كلّ شيء هالك إلاّ هو.

وقال آخرون: معنى ذلك: إلاّ ما أريد به وجهه...

وقوله: "لَهُ الحُكْمُ "يقول: له الحكم بين خلقه دون غيره، ليس لأحد غيره معه فيهم حكم.

"وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ" يقول: وإليه تردّون من بعد مماتكم، فيقضي بينكم بالعدل، فيجازي مؤمنيكم جزاءهم، وكفاركم ما وعدهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{ولا تدع مع الله إلهاً آخر} نهي عما هم بسبيله، فهم المراد وإن عري اللفظ من ذكرهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ولا تدع مع الله إلها آخر} وهذا وإن كان واجبا على الكل إلا أنه تعالى خاطبه به خصوصا لأجل التعظيم، فإن قيل الرسول كان معلوما منه أن لا يفعل شيئا من ذلك البتة فما فائدة هذا النهي؟ قلنا لعل الخطاب معه ولكن المراد غيره، ويجوز أن يكون المعنى: لا تعتمد على غير الله ولا تتخذ غيره وكيلا في أمورك، فإن من وثق بغير الله تعالى فكأنه لم يكمل طريقه في التوحيد، ثم بين أنه لا إله إلا هو، أي لا نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع إلا هو، كقوله: {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} فلا يجوز اتخاذ إله سواه... [و] اختلفوا في قوله: {كل شيء هالك} فمن الناس من فسر الهلاك بالعدم، والمعنى أن الله تعالى يعدم كل شيء سواه، ومنهم من فسر الهلاك بإخراجه عن كونه منتفعا به، إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء، وإن كانت أجزاؤه باقية، فإنه يقال هلك الثوب وهلك المتاع ولا يريدون به فناء أجزائه، بل خروجه عن كونه منتفعا به، ومنهم من قال: معنى كونه هالكا كونه قابلا للهلاك في ذاته، فإن كل ما عداه ممكن الوجود لذاته وكل ما كان ممكن الوجود كان قابلا للعدم فكان قابلا للهلاك، فأطلق عليه اسم الهلاك نظرا إلى هذا الوجه.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{ولا تدع مع الله إلها آخر} هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولا شك أن هذه الأوامر والنواهي وإن كان خطابها متوجهاً إليه صلى الله عليه وسلم فالمقصود بها أتباعه، ولعلها إنما وجهت إليه صلى الله عليه وسلم لأن أمر الرئيس أدعى لأتباعه إلى القبول.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

إذا كان ما سوى اللّه باطلا هالكا، واللّه هو الباقي، الذي لا إله إلا هو، وله الحكم في الدنيا والآخرة، وإليه مرجع الخلائق كلهم، ليجازيهم بأعمالهم، تعيَّن على من له عقل، أن يعبد اللّه وحده لا شريك له، ويعمل لما يقربه ويدنيه، ويحذر من سخطه وعقابه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(ولا تدع مع الله إلها آخر) يؤكد هذه القاعدة مرتين بالنهي عن الشرك والنهي عن اتخاذ إله آخر مع الله. ذلك أنها مفرق الطريق في العقيدة بين النصاعة والغموض. وعلى هذه القاعدة يقوم بناء هذه العقيدة كلها، وآدابها وأخلاقها وتكاليفها وتشريعاتها جميعا. وهي المحور الذي يلتف عليه كل توجيه وكل تشريع. ومن ثم هي تذكر قبل كل توجيه وقبل كل تشريع. ثم يمضي في التوكيد والتقرير: (لا إله إلا هو).. (كل شيء هالك إلا وجهه).. (له الحكم).. (وإليه ترجعون).. (لا إله إلا هو).. فلا إسلام إلا لله، ولا عبودية -إلا له، ولا قوة إلا قوته، ولا ملاذ إلا حماه. (كل شيء هالك إلا وجهه).. فكل شيء زائل. وكل شيء ذاهب. المال والجاه. والسلطان والقوة. والحياة والمتاع. وهذه الأرض ومن عليها. وتلك السماوات وما فيها ومن فيها. وهذا الكون كله ما نعلمه منه وما نجهله.. كله. كله. هالك فلا يبقى إلا وجه الله الباقي. متفردا بالبقاء. له الحكم.. يقضي بما يشاء ويحكم كما يشاء، لا يشركه في حكمه أحد، ولا يرد قضاءه أحد، ولا يقف لأمره أمر. وما يشاءه فهو الكائن دون سواه. (وإليه ترجعون).. فلا مناص من حكمه، ولا مفر من قضائه، ولا ملجأ دونه ولا مهرب. وهكذا تختم السورة التي تتجلى فيها يد القدرة سافرة، تحرس الدعوة إلى الله وتحميها، وتدمر القوى الطاغية والباغية وتمحوها. تختم بتقرير قاعدة الدعوة: وحدانية الله سبحانه وتفرده بالألوهية والبقاء والحكم والقضاء. ليمضي أصحاب الدعوات في طريقهم على هدى، وعلى ثقة، وعلى طمأنينة، وفي يقين.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا النهي موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر، والمقصود به إبطال الشرك وإظهار ضلال أهله إذ يزعمون أنهم معترفون بإلهية الله تعالى وأنهم إنما اتخذوا له شركاء وشفعاء، فبين لهم أن الله لا إله غيره، وأن انفراده بالإلهية في نفس الأمر يقضي ببطلان الإشراك في الاعتقاد ولو أضعف إشراك، فجملة {لا إله إلا هو} في معنى العلة للنهي الذي في الجملة قبلها. وجملة {كل شيء هالك إلا وجهه} علة ثانية للنهي لأن هلاك الأشياء التي منها الأصنام وكلُّ ما عبد مع الله وأشرك به دليل على انتفاء الإلهية عنها لأن الإلهية تنافي الهلاك وهو العدم...

{وإليه ترجعون} تقديم المجرور ب (إلى) للاهتمام بالخبر لأن المشركين نفوا الرجوع من أصله ولم يقولوا بالشركة في ذلك حتى يكون التقديم للتخصيص.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

عندما أشرفت "سورة القصص "على التمام والكمال، ذكر كتاب الله كافة البشر، وفي طليعتهم كل من طغى وتجبر، بحقيقة أزلية كبرى تتهاوى أمامها جميع الادعاءات الزائفة والتحديات الباطلة، ألا وهي أن الله تعالى هو وحده الحي القيوم، الدائم الحياة والبقاء، الذي لا يلحقه موت ولا فناء، المتصرف في ملكه والقاهر فوق عباده من كافة الأحياء دون استثناء، وذلك قوله تعالى في ختام هذه السورة: {لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم} على غرار قوله تعالى: {كل من عليها} أي على الأرض {فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال الإكرام} (الرحمان: 27.) وردا على من يظن أن مسؤولية الإنسان تنتهي بمفارقة الروح للجسد، وأنه لا حشر ولا نشر، ولا ثواب ولا عقاب بعد الموت، أعقب قوله تعالى: {كل شيء هالك} بقوله تعالى: {وإليه ترجعون}، بمعنى أن كل إنسان هالك عند الموت لا محالة، لكنه رغم موته لا بد أن يبعث ويحشر ويرجع إلى الله لينال جزاءه الأوفى إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وبعد هذه الأوامر الأربعة تأتي أوصاف أربعة لله سبحانه، وهي جميعاً تأكيد على التوحيد أيضاً. فالأوّل قوله: (لا إله إلاّ هو). والثّاني قوله: (كل شيء هالك إلاّ وجهه). والوصف الثالث: (له الحكم) والحاكمية في عالمي التشريع والتكوين. والرابع: أن معادنا إليه (وإليه ترجعون). والأوصاف الثلاثة الأخيرة يمكن أن تكون دليلا على إثبات التوحيد وترك جميع أنواع عبادة الأصنام، الذي أشير إليه في الوصف الأول! لأنّه طالما كنّا هالكين جميعاً وهو الباقي. وطالما كان التدبير لنظام الوجود بيده والحكم له! وطالما كان معادنا إليه وإليه نرجع!... فما عسى أن يكون دور المعبودات غيره، وأي أحد يستحق العبادة سواه!؟