محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (88)

{ وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ } أي عن تبليغها بعد إنزالها ، والأمر بالصدع بها لضيق صدرك من مكرهم . فإن الله معك ، ومعل كلمتك ومؤيد دينك . ولذا قال : { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } أي إلى عبادته وحده لا شريك له { وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } .

قال القاضي : هذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم . أي لأنه لا يتصور منه ذلك حتى ينهى عنه . فكأنه لما نهاه عن مظاهرتهم ومداراتهم ، قال إن ذلك مبغوض لي كالشرك . فلا تكن ممن يفعله . أو المراد نهي أمته ، وإن كان الخطاب له صلى الله عليه وسلم . كذا في ( العناية ) .

{ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } أي إياه و ( الوجه ) يعبر به عن الذات كما قال {[6024]} : كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وفي قوله تعالى : { هالك } وجوه : حمله على المستقبل ، أو هو عرضة للهلاك والعدم ، أو هالك في حد ذاته ، لأن وجوده ليس ذاتيا بل لاستناده إلى واجب الوجود ، فهو بالقوة وبالذات معدوم حالا . والمراد بالمعدوم ما ليس له وجود ذاتي . لأن وجود غيره كلا وجود . إذ هو في كل آن قابل للعدم . وعن مجاهد والثوري { إلا وجهه } أي ما أريد به وجهه . حكاه {[6025]} البخاري في ( صحيحه ) .

قال ابن جرير {[6026]} : ويستشهد من قال ذلك بقول الشاعر :

أستغفر الله ذنبا ، لست محصيه *** رب العباد ، إليه الوجه والعمل .

قال ابن كثير : وهذا القول لا ينافي القول الأول . فإن هذا إخبار عن كل الأعمال بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة . انتهى .

وفيه بعد وتكلف يذهب رونق النظم ، وماء الفصاحة . لاسيما وآي التنزيل يفسر بعضها بعضا . والآية الثانية التي ذكرناها بمعنى هذه . وتلك لا تحتمل ذلك المعنى ، فكذا هذه { لَهُ الْحُكْمُ } أي القضاء النافذ في الخلق { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي يوم معادكم فيجزيكم بأعمالكم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر .


[6024]:(55 الرحمن 26 و 27).
[6025]:أخرجه في: 65 – كتاب التفسير، 28 – سورة القصص.
[6026]:انظر الصفحة رقم 127 من الجزء العشرين (طبعة الحلبي الثانية).