معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

قوله تعالى : { ولو أرادوا الخروج } ، إلى الغزو .

قوله تعالى : { لأعدوا له } ، أي : لهيئوا له

قوله تعالى : { عدة } ، أهبة وقوة من السلام والكراع ،

قوله تعالى : { ولكن كره الله انبعاثهم } ، خروجهم ،

قوله تعالى : { فثبطهم } ، منعهم وحبسهم عن الخروج ،

قوله تعالى : { وقيل اقعدوا } ، في بيوتكم ،

قوله تعالى : { مع القاعدين } ، يعنى : مع المرضى والزمنى . وقيل : مع النسوان والصبيان . قوله عز وجل :{ وقيل } أي : قال بعضهم لبعض : اقعدوا . وقيل : أوحى إلى قلوبهم وألهموا أسباب الخذلان .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

ثم حكى - سبحانه - بعض المسالك الخبيثة التي كان يبتعها هؤلاء المنافقون لمحاربة الدعوة الإِسلامية ، وكيف أنه - سبحانه - أحبط مكرهم فقال - تعالى - : { وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج . . . وَهُمْ كَارِهُونَ } .

وقوله : { وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج } كلام مستأنف لبيان المزيد من رذائل المنافقين . أو معطوف على قوله - سبحانه - قبل ذلك { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ } وقوله : { انبعاثهم } أى : نهوضهم وانطلاقهم للخروج بنشاط وهمة . من البعث وهو إثارة الإِنسان أو الحيوان وتوجيهه إلى الشئ بقوة وخفة .

تقول : بعثت البعير فانبعث إذا أثرته للقيام والسير بسرعة .

وقوله : " فثبطهم " أى : فمنعهم وحبسهم ، من التثبيط " وهو رد الإِنسان عن الفعل الذي هم به عن طريق تعويقه عنه ومنعه منه " .

يقال : ثبطه تثبيطا ، أى : قعد به عن الأمر الذي يريده ومنعه منه بالتخذيل ونحوه .

والمعنى : ولو أراد هؤلاء المنافقون الخروج معك - يا محمد - إلى تبوك لأعدوا لهذا الخروج عدته اللازمة له من الزاد والراحلة ، وغير ذلك من الأشياء التي لا يستغنى عنها المجاهد في سفره الطويل ، والتى كانت في مقدورهم وطاقتهم .

وقوله . { ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم } استدراك على ما تقدم .

أى : ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته ، ولكنهم لم يريدوا ذلك ، لأن الله - تعالى - كره خروجهم معك ، فحبسهم عنه ، لما يعلمه - سبحانه - من نفاقهم وقبح نواياهم ، وإشاعتهم للسوء في صفوف المؤمنين .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت . كيف موقع حرف الاستدراك ؟ قلت : لما كان قوله { وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج } معطيا معنى نفى خروجهم واستعدادهم للغزو ، قيل : { عُدَّةً ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم } ، كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبطوا عن الخروج لكارهة انبعاثهم ، كما تقول . ما أحسن إلى زيد ولكن أساء إلى .

وقال الجمل . وهاهنا يتوجه سؤال ، وهو أن خروج المنافقين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكون فيه مصلحة أو مفسدة ، فإن كان فيه مصلحة فلم قال : { عُدَّةً ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم فَثَبَّطَهُمْ } وإن كان فيه مفسدة فلماذا عابت نبيه - صلى الله عليه وسلم - في إذنه لهم في القعود ؟

والجواب عن هذا السؤال : أن خروجهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان فيه مفسدة عظيمة : بدليل أنه - سبحانه - أخبر بتلك المفسدة بقوله { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } .

بقى أن يقال . فلم عاتب الله نبيه بقوله : { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } فنقول : إنه - صلى الله عليه وسلم - اذن لهم قبل إتمام الفحص ، وإكمال التدبير والتأمل في حالهم ، فلهذا السبب قال - تعالى - { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } وقيل إنما عتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحى إليه في أمرهم بالقعود .

وقوله . { فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين } تذييل المقصود منه ذمهم ووصفهم بالجبن الخالع ، والهمة الساقطة ، لأنهم بقعودهم هذا سيكونون مع النساء والصبيان والمرضى والمستضعفين الذين لا قدرة لهم على خوض المعارك والحروب .

قال الآلوسى . وقوله : { فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين } : تمثيل لخلق الله داعية القعود فيهم ، وإلقائه كراهة الخروج في قلوبهم بالأمر بالقعود أو تمثيل لوسوسة الشيطان بذلك فليس هناك قول حقيقة . ويجوز أن يكون حكاية قول بعهضم لبعض ؛ أو حكاية لإِذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم في القعود ، فيكون القول على حقيقته .

هذا ، ومن الأحكام التي اخذها العلماء من هذه الآية . أن الفعل يحسن بالنية ؛ يوقبح بها . أيضاً . . وإن استويا في الصورة ، لأن النفير واجب مع نية النصر . وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح ، وذلك لأنه . تعالى . أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل من إرادة المكر بالمسلمين .

ومنها : أن للإِمام أن يمنع من يتهم بمضرة المسلمين من الخروج للجهاد ؛ حماية هلم من شروره مفاسده .

ومنها : أن إعداد العدة للجهد أمر واجب ، وقد قال - تعالى - في آية أخرى : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأعَدّواْ لَهُ عُدّةً وَلََكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولو أراد هؤلاء المستأذنوك يا محمد في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك الخروج معك . لاَءَعَدّوا لَهُ عُدّةً يقول : لأعدّوا للخروج عدّة ، ولتأهبوا للسفر والعدوّ أهبتهما . وَلكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ يعني : خروجهم لذلك . فَثَبّطَهُمْ يقول : فثقل عليهم الخروج حتى استخفوا القعود في منازلهم خلافك ، واستثقلوا السفر والخروج معك ، فتركوا لذلك الخروج . وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القاعِدِينَ يعني : اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ومع النساء والصبيان ، واتركوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين في سبيل الله . وكان تثبيط الله إياهم عن الخروج مع رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، لعلمه بنفاقهم ، وغشهم للإسلام وأهله ، وأنهم لو خرجوا معهم ضرّوهم ولم ينفعوا . وذكر أن الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود كانوا عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، والجد بن قيس ، ومن كانا على مثل الذي كانا عليه . كذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذين استأذنوه فيما بلغني من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معهم فيفسدوا عليه جنده .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

عطف على جملة { فهم في ريبهم يترددون } [ التوبة : 45 ] لأنّ معنى المعطوف عليها : أنّهم لم يريدوا الخروج إلى الغزو ، وهذا استدلال على عدم إرادتهم الخروج إذ لو أرادوه لأعدّوا له عُدّته . وهذا تكذيب لزعمهم أنّهم تهيّأوا للغزو ثم عرضت لهم الأعذار فاستأذنوا في القعود لأنّ عدم إعدادهم العُدّة للجهاد دلّ على انتفاء إرادتهم الخروج إلى الغزو .

والعُدّة بضم العين : ما يُحتاج إليه من الأشياء ، كالسلاح للمحارب ، والزاد للمسافر ، مشتقّة من الإعداد وهو التهيئة .

والخروج تقدّم آنفاً .

والاستدراك في قوله : { ولكن كره الله انبعاثهم } استدراك على ما دلّ عليه شرط { لو } من فرض إرادتهم الخروج تأكيد الانتفاء وقوعه بإثبات ضدّه ، وعبّر عن ضدّ الخروج بتثبيط الله إياهم لأنّه في السبب الإلهي ضدّ الخروج فعبّر به عن مسبّبه ، واستعمال الاستدراك كذلك بعد { لو } استعمال معروف في كلامهم كقول أبَيّ بن سُلْمَى الضَّبِّي :

فلو طار ذُو حافرٍ قَبْلَها *** لطارتْ ولكِنَّه لم يَطِرْ

وقول الغَطَمَّششِ الضبي :

أخِلاَّيَ لو غَيْرُ الحِمام أصابكم *** عَتِبْتُ ولكن ما على الموت مَعْتَب

إلاَّ أنّ استدراك ضدّ الشرط في الآية كان بذكر ما يساوي الضدّ : وهو تثبيط الله إيّاهم ، توفيراً لفائدة الاستدراك ببيان سبب الأمر المستدَرك ، وجعل هذا السبب مفرّعاً على علّته : وهي أنّ الله كره انبعاثهم ، فصيغ الاستدراك بذكر علّته اهتماماً بها ، وتنبيهاً على أنّ عدم إرادتهم الخروج كان حرماناً من الله إيّاهم ، وعناية بالمسلمين فجاء الكلام بنسج بديع وحصل التأكيد مع فوائد زائدة .

وكراهة الله انبعاثهم مفسّرة في الآية بعدها بقوله : { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } [ التوبة : 47 ] .

والانبعاث : مطاوع بعثَه إذا أرسله .

والتثبيط : إزالة العزم . وتثبيط الله إيّاهم : أن خلق فيهم الكسل وضعف العزيمة على الغزو .

والقعود : مستعمل في ترك الغزو تشبيهاً للترك بالجلوس .

والقول : الذي في { وقيل اقعدوا } قول أمر التكوين : أي كُوّن فيهم القعود عن الغزو .

وزيادة قوله : { مع القاعدين } مذمّة لهم : لأنّ القاعدين هم الذين شأنهم القعود عن الغزو ، وهم الضعفاء من صبيان ونساء كالعُمي والزمنى .