معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

قوله تعالى : { ما يفتح الله للناس من رحمة } قيل : من مطر ورزق ، { فلا ممسك لها } لا يستطيع أحد حبسها ، { وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز } فيما أمسك { الحكيم } فيما أرسل من مطر ورزق .

أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أنبأنا عبد الله بن أسباط ، أنبأنا أبي ، أنبأنا عبد الملك بن عمير ، عن وراد ، عن المغيرة بن شعبة ، " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

وقوله - تعالى - : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا . . } بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته وفضله على عباده .

والمراد بالفتح هنا : الإِطلاق والإِرسال على سبيل المجاز . بعلاقة السببية لأن فتح الشئ المغلق ، سبب لإطلاق ما فيه إرساله .

أى : ما يرسل الله - تعالى - بفضله وإحسانه للناس من رحمة متمثلة فى الأمطار ، وفى الأرزاق ، وفى الصحة . . وفى غير ذلك ، فلا أحد يقدر على معها عنهم .

{ وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } أى : وما يمسك من شئ لا يريد إعطاءه لهم ، فلا أحد من الخلق يستطيع إرساله لهم . بد أن منعه الله - تعالى - عنهم .

{ وَهُوَ } - سبحانه - { العزيز } الذى لا يغلبه غالب { الحكيم } فى كل أقواله وأفعاله .

وعبر - سبحانه - فى جانب الرحمة بالفتح ، للإِشعار بأن رحمته - سبحانه - من أعظم النعم وأعلاها ، حتى لكأنها بمنزلة الخزائن المليئة بالخيرات ، والتى متى فتحت أصاب الناس منها ما أصابوا من نفع وبر .

و { مِن } فى قوله { مِن رَّحْمَةٍ } للبيان . وجاء الضمير فى قوله : { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } مؤنثا ، لأنه يعود إليه وحدها .

وجاء مذكرا فى قوله { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } لأنه يشملها ويشمل غيرها ، أى : وما يسمك من رحمة أو غيرها عن عباده فلا يستطيع أحد أن يرسل ما أمسكه - سبحانه - .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ . . . } وقوله - سبحانه - : { وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } قال ابن كثير : وثبت فى صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى . " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع راسه من الركوع يقول : سمع الله لمن حمده . اللهم ربنا لك الحمد . ملئ السماوات والأرض . وملئ ما شئت من شئ بعد . . اللهم لا مانع لما أعطيت . ولا معطى لما منعت . . ولا ينفع ذا الجد منك الجد - أى : ولا ينفع صاحب الغنى غناه وإنما الذى ينفعه عمله الصالح " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { مّا يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن رّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : مفاتيح الخير ومغالقه كلها بيده فما يفتح الله للناس من خير فلا مُغلق له ، ولا ممسك عنهم ، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد ، وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه عليهم ، ولا يفتحه لهم ، فلا فاتح له سواه ، لأن الأمور كلها إليه وله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ما يَفْتَحِ اللّهُ للنّاس مِنْ رَحْمَةٍ : أي من خير فَلا مُمْسِكَ لَهَا فلا يستطيع أحد حبسها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلُ لَهُ مِنْ بَعْدهِ .

وقال تعالى ذكره : فَلا مُمْسِكَ لَهَا فأنث ما لذكر الرحمة من بعده ، وقال : وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فذكر للفظ «ما » لأن لفظه لفظ مذكر ، ولو أنّث في موضع التذكير للمعنى ، وذكر في موضع التأنيث للفظ جاز ، ولكنّ الأفصح من الكلام التأنيث إذا ظهر بعد ما يدلّ على تأنيثها والتذكير إذا لم يظهر ذلك .

وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : وهو العزيز في نِقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته ، الحكيم في تدبير خلقه ، وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا ، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة .