إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

{ ما يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رحْمَةٍ } عبَّر عن إرسالِها بالفتحَ إيذاناً بأنَّها أنفسُ الخزائنِ التي يتنافسُ فيها المتنافسون وأعزُّها منالاً . وتنكيرُها للإشاعةِ والإبهام أيْ أيَّ شيءٍ يفتحُ اللَّهُ من خزائنِ رحمتِه أيَّة رحمةٍ كانتْ من نعمةٍ وصحَّةٍ وأمنٍ وعلمٍ وحكمةٍ إلى غيرِ ذلكَ ممَّا لا يُحاط به { فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } أي لا أحدَ يقدرُ على إمساكِها { وَمَا يُمْسِكْ } أيْ أيَّ شيءَ يُمسك { فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ } أي لا أحدَ يقدرُ على إرسالِه واختلافُ الضَّميرينِ لما أنَّ مرجعَ الأوَّلِ مفسَّرٌ بالرَّحمةِ ومرجعَ الثَّانِي مطلقٌ يتناولُها وغيرَها كائناً ما كان وفيه إشعارٌ بأنَّ رحمتَه سبقتْ غَضبه { مِن بَعْدِهِ } أي من بعدِ إمساكِه { وَهُوَ العزيز } الغالبُ على كلِّ ما يشاءُ من الأمورِ التي من جُملتها الفتحُ والإمساك { الحكيم } الذي يفعلُ كلَّ ما يفعل حسبما تقتضيِه الحكمةُ والمصلحة والجملُة تذييلٌ مقررٌ لما قبلها ومعربٌ عن كونِ كلَ من الفتحِ والإمساكِ بموجبِ الحكمةِ التي عليها يدورُ أمرُ التَّكوينِ