فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

{ يفتح } يرسل .

{ العزيز } الغالب على كل ما يشاء ، المنيع جنابه ، الذي لا نظير له .

{ الحكيم } بالغ الحكمة ، كل فعله موافق للحق والصواب .

{ ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم2 }

الخالق المنشئ البارئ المصور ، هو المالك لكل الخلق والمدبر أمر الكون ، وهو الرب الذي يعطي ويمنع ، ويقدر وييسر ، وهو غالب على كل ما يشاء ، لا يغلب على شيء أراده ، فلا ند له ولا ضد ، وكل فعله موافق للحكمة والصواب والحق .

[ واختلاف الضميرين{[3793]} لما أن مرجع الأول مبين بالرحمة ، ومرجع الثاني مطلق يتناولها وغيرها ، وفي ذلك مع تقديم فتح الرحمة إشعار بأن رحمته تعالى سبقت غضبه عز وجل كما ورد في الحديث الصحيح ]{[3794]} .

وقريب من معنى هذه الآية قول العلي الكبير سبحانه : ) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله . . ( {[3795]} وقوله جل وعز : ، ( . . قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون( {[3796]} ) وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير( {[3797]} ، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول : " سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء والأرض وملء ما شئت من شيء بعد اللهم أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .

ومما أورد صاحب جامع البيان : وقوله : { وهو العزيز الحكيم } يقول : وهو العزيز في نقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته ، الحكيم في تدبير خلقه وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحا ، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة . اه .


[3793]:الأول قوله سبحانه:{فلا ممسك لها} والثاني في قوله تبارك اسمه:{فلا مرسل له..}.
[3794]:ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
[3795]:سورة يونس. من الآية 107.
[3796]:سورة الزمر. من الآية 38.
[3797]:سورة الأنعام. الآية 17.