فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

{ مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا } أي ليس لك من الأمر شيء فما يأتيهم الله به من مطر ورزق ونعمة وصحة وأمن وعلم وحكمة إلى غير ذلك مما لا يحاط به لا يقدر أحد أن يمسكه .

قال ابن عباس : ما يفتح الله للناس من باب توبة فلا ممسك لها ، هم يتوبون إن شاءوا وإن أبوا ، وما أمسك من باب توبة فلا مرسل له من بعده ، وهم لا يتوبون ، واستعير الفتح للإطلاق والإرسال وإيذانا بأنها أنفس الخزائن التي يتنافس فيها المتنافسون ، وأعزها منالا ، وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قيل : أي رحمة كانت سماوية أو أرضية والعموم مفهوم من اسم الشرط ومن رحمة بيان لذلك العام من أي صنف هو وهو مما اجتزي فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط وتقديره من الرحمات ، ومن في موضع الحال ، وقيل : المعنى إن الرسل بعثوا رحمة للناس ، فلا يقدر على إرسالهم غير الله ، وقيل : هو الدعاء وقيل التوبة وقيل التوفيق والهداية ولا وجه لهذا التخصيص بل المعنى كل ما يفتحه الله للناس من خزائن رحمته فيشمل كل نعمة ينعم الله بها على خلقه .

{ وَمَا يُمْسِكْ } من ذلك { فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } أي لا يقدر أحد أن يرسله من بعد إمساكه والإمساك يتناول كل شيء يمنعه الله من نعمه فهو سبحانه المعطي المانع القابض الباسط لا معطي سواه ، ولا منعم غيره ، { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فيما أمسك وفيما أرسل على مقتضى حكمته .