قوله : { مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } لما بين كمال القدرة ذكر بيان نفوذ المشيئة ونفاذ الأمر وقال : { مَّا يَفْتَحِ الله } يعني{[44995]} إن رحم الله فلا مانع له وإن لم يرحم فلا باعثَ له عليها . وفي الآية دليل على سبق الرحمة الغضب{[44996]} من وجوه :
أحدها : التقديم حيث قدم بيان فتح أبواب الرحمة في الذكر .
وثانيها : أنه أنّث الكناية فقال : فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا » ويجوز من حيث العربية أن يقال : «لَهُ » عَوْداً إلى «ما » ولكن قال الله تعالى ذلك ليعلم أن المفتوح أبواب الرحمة فهي واصلة إلى من رَحِمَتُهُ وقال عند الإمساك : «وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ » بالتذكير ولم يقل «لها » فلم يصرح بأنه لا مرسل للرحمة بل ذكره بلفظ يحتمل أن يكون الذي يرسل هو غير الرحمة ، فإن قوله ( تعالى ){[44997]} { وَمَا يُمْسِكْ } عامٌّ من غير بيانٍ وتخصيص .
وثالثها : قوله من بعْدِه أي من بعد الله فاستثنى ههنا وقال : «لاَ مُرْسِلَ لَهُ إلاَّ اللَّهُ » وعند الإمساك قال : لاَ مُمْسِكَ لَهَا «ولم يقل غير الله لأن الرحمة إذا جاءت لا ترتفع فإن من رَحِمَهُ الله في الآخرة لا يعذبه بعدها هو ولا غيره ومن يعذبه الله قد يرحمه الله بعد العذاب كالفساق من أهل الإيمان{[44998]} .
قوله : { مِنْ رَحْمَةٍ } تبيين{[44999]} أو حال من{[45000]} اسم الشرط ولا يكون صفة ل » ما «لأن اسم الشرط لا يوصف{[45001]} قال الزمخشري : وتنكير الرحمة للإشاعة والإبهام كأنه قيل : أيّ رحمةٍ كانت سماويةً أو أرضية ؟{[45002]} قال أبو حيان : والعموم مفهوم من اسم الشرط و » من رحمة «بيان لذلك العام من أي صنف هو وهو مما اجْتُزِئَ فيه بالنكرة المفردة عن الجمع المعرف المطابق في العموم لاسم الشرط وتقديره من الرحمات . و » من «في موضع الحال . انتهى{[45003]} .
قوله { وَمَا يُمْسِكْ } يجوز أن يكون على عمومه أيْ أيّ شيء أمْسَكَه{[45004]} من رحمة أو غيرها .
فعلى هذا التذكير في قوله له ظاهر لأنه عائد على «ما يمسك » ويجوز أن يكون قد حذف المبيَّن من الثاني لدلالة الأول عليه تقديره وما يمسك من رحمة فعلى هذا التذكير في قوله : «له » على لفظ «ما » وفي قوله أولاً : فلا ممسك لها التأنيث فيه حمل على معنى «ما » لأن المراد به الرحمة فحمل أولاً على المعنى وفي الثاني على اللفظ{[45005]} . والفَتْحُ والإمساك استعارة حسنة{[45006]} «وَهُوَ العَزِيزُ » فيما أمسك أي كامل القدرة «الحَكِيمُ » فيما أرسل أي كامل العلم . قال - عليه ( الصلاة{[45007]} و ) السلام «الّلَهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا منعت وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجدّ مِنْكَ الجِدُّ »{[45008]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.