السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَّا يَفۡتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحۡمَةٖ فَلَا مُمۡسِكَ لَهَاۖ وَمَا يُمۡسِكۡ فَلَا مُرۡسِلَ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (2)

ولما وصف سبحانه نفسه المقدسة بالقدرة الكاملة دلَّ على ذلك بما يشاهده كل أحد في نفسه من السعة والضيق مع العجز عن دفع شيء من ذلك أو اقتناصه ، وقال مستأنفاً أو معللاً مستنتجاً : { ما } أي : مهما فهي شرطية { يفتح الله } أي : الذي لا يكافئه شيء { للناس } لأن كل ما في الوجود لأجلهم { من رحمة } أي : من الأرزاق الحسية والمعنوية ، من اللطائف والمعارف التي لا تدخل تحت حصر قلّت أو كثرت فيرسلها { فلا ممسك لها } أي : الرحمة بعد فتحه كما يعلمه كل أحد من نفسه من أنه إذا حصل له خير لا يعدمه من يود أنه لم يحصل ، ولو قدر على إزالته لأزاله ولا يقدر على تأثير ما فيه { وما يمسك فلا مرسل له } يطلقه ، واختلاف الضميرين ، لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة ، والثاني مطلق يتناولها والغضب وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه .

ولما كان ربما ادعى أحد فجوراً حال إمساك الرحمة أو النعمة أنه هو الممسك قال تعالى { من بعده } أي : إمساكه وإرساله { وهو } أي : هو فاعل ذلك ، والحال أنه هو وحده { العزيز } أي : القادر على الإمساك والإرسال الغالب على كل شيء ، ولا غالب له { الحكيم } أي : الذي يفعل في كل من الإمساك والإرسال وغيرهما ما يقتضيه علمه به ويتقن ما أراده على قوانين الحكمة فلا يستطاع نقض شيء منه .