معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

وقوله عز وجل : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم } الآية ، قال ابن عباس نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وذلك أنه كان في أذنه وقر ، فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه ، فيسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم ، فضن كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد ، فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلساً يجلس فيه قام قائماً كما هو ، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس ويقول : تفسحوا تفسحوا ، فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينه وبينه رجل ، فقال للرجل : تفسح ، فقال له : قد أصبت مجلساً فاجلس ، فجلس ثابت خلفه مغضباً ، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل ، فقال : من هذا ؟ قال : أنا فلان ، فقال له ثابت : ابن فلان ؟ وذكر أماً له كان يعير بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه واستحيا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذين ذكرناهم ، كانوا يستهزؤون بفقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } أي : رجال من رجال . والقوم : اسم يجمع الرجال والنساء ، وقد يختص بجمع الرجال ، { عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن } . روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر . وعن عكرمة عن ابن عباس : أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ، قال لها النساء : يهودية بنت يهوديين . { ولا تلمزوا أنفسكم } أي : لا يعب بعضكم بعضاً ، ولا يطعن بعضكم على بعض ، { ولا تنابزوا بالألقاب } التنابز : التفاعل من النبز ، وهو اللقب ، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به . قال عكرمة : هو قول الرجل للرجل : يا فاسق يا منافق يا كافر . وقال الحسن : كان اليهودي والنصراني يسلم ، فيقال : بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني ، فنهوا عن ذلك . قال عطاء : هو أن تقول لأخيك : يا كلب يا حمار يا خنزير .

وروي عن ابن عباس قال : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف من عمله . { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } أي : بئس الاسم أن يقول : يا يهودي أو يا فاسق بعدما آمن وتاب ، وقيل معناه : إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق ، بئس الاسم الفسوق بعد الاسم الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق ، { ومن لم يتب } من ذلك ، { فأولئك هم الظالمون } .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } الاية نهى الله تعالى المؤمنين والمؤمنات أن يسخر بعضهم من بعض { عسى أن يكونوا } أي المسخور منه { خيرا منهم } من الساخر ومعنى السخرية ها هنا الازدراء والاحتقار { ولا تلمزوا أنفسكم } لا يعب بعضكم بعضا { ولا تنابزوا بالألقاب } وهو أن يدعى الرجل بلقب يكرهه نهى الله تعالى عن ذلك { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } يعني إن السخرية واللمز والتنابز فسوق بالمؤمنين وبئس ذلك بعد ا لإيمان

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

ولما نهى عن الإسراع بالإيقاع بمجرد سماع ما يوجب النزاع ، وختم بما ترجى به الرحمة ، وكان ربما كان الخبر الذي أمر سبحانه بتبينه{[60835]} صريحاً ، نهى عن موجبات الشر التي يخبر بها فتكون سبباً للضغائن التي يتسبب عنها الشر الذي هو سبب للنقمة رحمة لعباد الله وتوقعاً للرحمة منه ، فقال على سبيل النتيجة من ذلك ذاكراً ما في القسم الرابع من الآداب والمنافع من وجوب ترك أذى المؤمنين في حضورهم و{[60836]}الإزراء بحالهم المذهب لسرورهم الجالب لشرورهم : { يا أيها الذين آمنوا } أي أوقعوا الإقرار بالتصديق { لا يسخر } أي يهزأ ويستذل{[60837]} .

ولما كانت السخرية تكون بحضرة ناس ، قال معبراً بما يفهم أن من شارك أو رضي أو سكت وهو قادر فهو{[60838]} ساخر مشارك للقائل{[60839]} : { قوم } أي ناس فيهم قوة المحاولة ، وفي التعبير بذلك هز إلى قيام الإنسان على نفسه وكفها عما تريده-{[60840]} من النقائص شكراً لما أعطاه الله من القوة : { من قوم } فإن ذلك يوجب الشر لأن أضعف الناس إذا حرك للانتقاص قوي بما يثور عنده من حظ النفس .

ولما كان الذي يقتضيه الرأي الأصيل أنه لا يستذل الإنسان إلا من أمن أن يصير في وقت من الأوقات أقوى منه في الدنيا أوفي-{[60841]} الآخرة ، علل بقوله : { عسى } أي لأنه جدير وخليق لهم { أن يكونوا } أي المستهزأ بهم { خيراً منهم } فينقلب الأمر عليهم{[60842]} ويكون لهم سوء العاقبة ، قال ابن-{[60843]} مسعود رضي الله عنه{[60844]} : البلاء موكل بالقول ولو-{[60845]} سخرت من كلب خشيت أن-{[60846]} أحول كلباً ؛ وقال القشيري : ما استضعف{[60847]} أحد أحداً إلا سلط{[60848]} عليه ، ولا ينبغي أن تعتبر بظاهر أحوال الناس ، فإن في-{[60849]} الزوايا خبايا ، والحق سبحانه يستر أولياءه في حجاب الظنة ، كذا في الخبر

" كم من أشعث أغبر ذي طمرين{[60850]} لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره " .

ولما كان إطلاق القوم لمن كان{[60851]} فيه أهلية المقاومة وهم الرجال ، قال معبراً ما هو من النسوة بفتح النون أن ترك العمل : { ولا نساء من نساء } ثم علل النهي بقوله : { عسى } أي{[60852]} ينبغي {[60853]}أن يخفن{[60854]} من { أن يكن } المسخور بهن { خيراً منهن } أي الساخرات .

ولما كانت السخرية تتضمن العيب ، ولا يصرح فيها ، وكان اللمز العيب نفسه ، رقي الأمر إليه فقال : { ولا تلمزوا } أي تعيبوا على وجه الخفية { أنفسكم } بأن يعيب بعضكم بعضاً بإشارة أو نحوها ، فكيف إذا كان على وجه الظهور ، فإنكم في التواصل والتراحم كنفس واحدة ، أو يعمل الإنسان ما يعاب{[60855]} به ، فيكون قد لمز نفسه أو يلمز غيره فيكون لمزه له سبباً لأن{[60856]} يبحث عن عيوبة فيلمزه فيكون هو الذي لمز نفسه { ولا تنابزوا } أي ينبز بعضكم بعضاً ، أي يدعو على وجه التغير والتسفل { بالألقاب } بأن يدعو المرء صاحبه بلقب يسوءه سواء كان هو المخترع له أولاً ، وأما ألقاب المدح فنعم هي كالصديق والفاروق .

ولما كان الإيمان قيداً لأوابد العصيان ، وكان النبز والسخرية قطعاً لذلك القيد ، علل بما يؤذن بأنه فسق ، معبراً بالكلمة الجامعة لجميع المذامّ تنفيراً{[60857]} من ذلك فقال : { بئس الاسم الفسوق } أي الخروج من ربقة الدين { بعد الإيمان } ترك الجارّ إيذاناً بأن من وقع في ذلك أوشك أن يلازمه فيستغرق زمانه فيه فإن النفس عشاقة للنقائص ، ولا{[60858]} سيما ما فيه استعلاء ، فمن فعل ذلك فقد رضي لنفسه أو يوسم بالفسق بعد أن كان موصوفاً بالإيمان .

ولما كان التقدير : فمن تاب فأولئك هم الراشدون ، وكان المقام بالتحذير أليق ، عطف عليه قوله : { ومن لم يتب } أي يرجع عما نهى الله عنه ، فخفف عن نفسه ما كان شدد عليها { فأولئك } أي البعداء من الله { هم } أي خاصة { الظالمون * } أي العريقون في وضع الأشياء في غير مواضعها{[60859]} .


[60835]:من مد، وفي الأصل: تنبيه.
[60836]:من مد، وفي الأصل: من.
[60837]:من مد، وفي الأصل: يذل.
[60838]:من مد، وفي الأصل: وهو.
[60839]:زيد في الأصل: قال، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60840]:زيد من مد.
[60841]:زيد من مد.
[60842]:من مد، وفي الأصل: عليه.
[60843]:زيد من مد.
[60844]:راجع كتاب الزهد لابن المبارك ص207.
[60845]:زيد من مد.
[60846]:زيد من مد.
[60847]:من مد، وفي الأصل: استغفر.
[60848]:زيد في الأصل: الله، ولم تكن الزيادة في مد فحذفناها.
[60849]:زيد من مد.
[60850]:زيد من مد، وفي الأصل: طريق.
[60851]:سقط من مد.
[60852]:من مد، وفي الأصل: أن.
[60853]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60854]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[60855]:من مد، وفي الأصل: يعاقب.
[60856]:من مد، وفي الأصل: عن أن.
[60857]:من مد، وفي الأصل: تتعيرا-كذا.
[60858]:من مد، وفي الأصل: لما كان.
[60859]:من مد، وفي الأصل: مواضع.