التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 11 ) } .

قوم : هنا بمعنى الرجال على ما عليه الجمهور .

لا تلمزوا : لا تعيبوا ولا تغمزوا ولا تطعنوا .

ولا تنابزوا بالألقاب : ولا تنعتوا بعضكم بأسماء وألقاب مكروهة .

في الآية :

( 1 ) نهي للمسلمين رجالهم ونسائهم عن سخرية بعضهم من بعض وتنبيه على سبيل توكيد النهي إلى أنه قد يكون المسخور به خيرا من الساخر .

( 2 ) ونهي كذلك عن غمز بعضهم بعضا بما يسيئه أو تلقيب بعضهم بعضا بأسماء وألقاب مكروهة . وتنبيه على سبيل توكيد النهي إلى أن في ذلك فسقا . ولبئس الإنسان أن يفسق بعد الإيمان .

( 3 ) وإنذار للذين لا يرتدعون ولا يتوبون فهم ظالمون باغون .

تعليق على الآية

{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم }

وما فيها من تلقين وتأديب .

ولقد احتوت الآية أربعة نواه . وروى المفسرون{[1983]} لكل نهي مناسبة خاصة .

فالأول بسبب سخرية بعض الأغنياء أو الزعماء ببعض فقراء المسلمين ورثاثتهم ، والثاني بسبب سخرية بعض زوجات النبي ببعض آخر منهن بسبب قصر قامتها وهي أم سلمة أو بسبب يهوديتها وهي صفية . والثالث بسبب غمز مسلم لمسلم آخر بأمه ؛ لأنه لم يفسح له مكانا للجلوس فيه قرب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو بسبب تسمية أشخاص بأسماء لهم غير مستحبة عندهم فيثيرون بذلك غضبهم ، والرابع بسبب نعت بعض المسلمين بعض من أسلم من اليهود والنصارى باليهود والنصراني . والآية منسجمة الأجزاء والأسلوب متماثلة المواضيع إجمالا ، ويتبادر لنا بالإضافة إلى ذلك أنها غير منقطعة وغير منفصلة عن مواضيع ما قبلها وما بعدها . فإذا كانت الحوادث المروية صحيحة ، وهو محتمل فالراجح أنها وقعت قبل نزول الآية بل قبل نزول السورة فكانت وسيلة لنزول الآية في جملة آيات السورة التأديبية .

وعبارة الآية مطلقة من شأنها أن يكون ما احتوته تعليما وتأديبا عامين للمسلمين في كل وقت ومكان . وقد استهدفت توطيد الأخوة والمودة بينهم فالمنهيات مما يتنافى مع آداب السلوك الرفيعة . ومن شأنها إثارة العداء والبغضاء والأحقاد بين المسلمين بعد أن جمعت بينهم أخوة الإسلام العامة .

ولقد روى المفسرون عن ابن عباس وبعض علماء التابعين : أن النهي يتناول كل ما فيه نبز وسخرية وانتقاص وتحقير وإساءة ، ومن ذلك نعت المرء لآخر بالفسق والكفر والنفاق وبالكلب والحمار . وهذا سديد ويمكن أن يقاس على هذا كل ما يكون من هذا الباب بطبيعة الحال غير ما ذكر .

ولسنا نرى محلا للاستشكال بسبب نهي الرجال عن السخرية من الرجال فقط والنساء عن السخرية من النساء . وبسبب تعليل النهي باحتمال أن يكون المسخور به خيرا من الساخر . فالتقريرات والمبادئ القرآنية عامة تمنع أن يفرض إجازة سخرية الرجال من النساء والنساء من الرجال وإجازة السخرية من أحد ما إطلاقا سواء أكان الساخر خيرا منه أم كان المسخور منه غير خير من الساخر .

وروح الآية وهدفها بالذات يلهمان أنها بسبيل تأديب المسلمين رجالهم ونسائهم جميعا ، ويلهمان بالتالي أن كل ما نهي عنه فيها وارد بالنسبة للرجال والنساء على السواء وبصورة مطلقة ، وعبارتها إنما جاءت كما جاءت للمناسبات وحسب .

ولقد أثرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة متساوقة في التلقين مع تلقين الآية مع شيء من التوضيح نكتفي منها بما ورد في الكتب الخمسة . منها حديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه ) وحديث رواه الشيخان عن أبي ذر قال ( سمع النبي يقول : لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه ، وإن لم يكن صاحبه كذلك ) . وحديث رواه الشيخان والترمذي عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) وحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم ) وحديث رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اثنتان في الناس هما بهما كفر الطعن بالنسب والنياحة على الميت ) وحديث رواه الترمذي عن عبد الله قال ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) وحديث رواه أبو داود عن عائشة قالت ( اعتل بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب : أعطها بعيرا . فقالت : أنا أعطي تلك اليهودية ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر ) وفي بعض الأحاديث التي أوردناها في الفقرة السابقة شيء متصل بهذه الآية ومنها الذي جاء فيه ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره } .


[1983]:انظر التفسير البغوي والطبرسي والخازن والطبري وابن كثير