الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

ثم قال : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم } [ 11 ] .

أي : لا {[64395]} يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين لعل ( المستهزئ منه خير من الهازئ ، وكذلك النساء .

" وقوم " في كلام العرب يقع للمذكرين خاصة ، ويجوز أن يكون فيهم نساء على المجاز .

وقال بعض أهل اللغة : إنما قيل الجماعة {[64396]} المذكرين قوم لأنه أريد جمع قائم فهذا أصله ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين .

فقوم عنده جمع قائم " كزائر وزور ، وصائم وصوم ، ونائم ونوم " {[64397]} .

وقيل : سميت الجماعة قوما لأنهم يقومون مع داعيهم في النوائب {[64398]} والشدائد ومثل ذلك قولهم لقوم الرجل نفره {[64399]} ، فهو جمع نافر ؛ لأنهم ينفرون معه إذا استفزهم {[64400]} ، قال مجاهد : لا يسخر قوم من قوم هو سخرية الغني بالفقير لفقره ، ولعل الفقير أفضل عند الله من الغني {[64401]} .

وقال ابن زيد : معناه لا يسخر من ستر الله على ذنوبه {[64402]} ممن ( كشف الله سبحانه ) {[64403]} في الدنيا ستره ، لعل ما أظهر الله عز وجل {[64404]} على هذا في الدنيا خير له في الآخرة {[64405]} من أن يسترها عليه في الدنيا ، فلست أيها الهازئ على يقين أنك أفضل منه بستر {[64406]} الله عز وجل {[64407]} عليك في الدنيا هذا معنى قوله .

ويروى أن هذه الآية نزلت في عكرمة بن أبي جهل بن هشام قدم المدينة مسلما فكان يمر بالمؤمنين فيقولون : هذا ابن فرعون هذه الأمة ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم أن يقولوا ذلك/ ، ونزلت الآية عامة فيه وفي غيره .

ثم قال : { ولا تلمزوا أنفسكم }/ أي : لا يطعن بعضكم على بعض .

وقال : أنفسكم لأن المؤمنين كرجل واحد .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمى والسهر " {[64408]} .

يقال : " لمزه يلمزه ويلمزه إذا عابه وتنقمه {[64409]} " . {[64410]} .

قال علي بن سليمان : اللمز الطعن على الإنسان بالحضرة ، والهمز في الغيبة {[64411]} .

قال المبرد : اللمز يكون باللسان ، والعين ( تعيبه وتجدد {[64412]} ) إليه النظر وتشير {[64413]} إليه بالاستنقاص ، والهمز لا يكون إلا باللسان في الحضرة والغيبة وأكثر ما يكون في الغيبة ، وقال {[64414]} النبز : اللقب الثابت {[64415]} ، والمنابزة : الإشاعة والإذاعة {[64416]} {[64417]} .

قال الطبري : النبز واللقب واحد {[64418]} .

قال الضحاك : نزلت هذه الآية في بني {[64419]} سلمة قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وما منهم رجل إلا وله إسمان {[64420]} وثلاثة ، فكان إذا دعي الرجل بالاسم قالوا إنه يغضب من هذا ، فنزلت { ولا تنابزوا بالألقاب } {[64421]} .

وقيل معناه : قول الرجل للرجل يا فاسق يا زاني {[64422]} ، يا كافر يا منافق قاله عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد {[64423]} .

وقال ابن عباس : هو تسمية الرجل بالكفر بعد الإسلام ، وبالفسق بعد التوبة {[64424]} .

وقال الحسن : هو اليهودي والنصراني يسلمان فنهي أن يقال لهما يا يهودي يا نصراني بعد إسلامه {[64425]} .

وقيل : هو دعاء الرجل للرجل {[64426]} بما يكره من اسم أو صفة أو لقب ، وهذا قول جامع لما تقدم {[64427]} .

ثم قال : { بيس الاسم الفسوق بعد الإيمان } .

أي : من فعل هذا الذي نهي عنه فسخر من أخيه المؤمن ونبزه بالألقاب فهو فاسق .

وبين الاسم الفسوق بعد الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا أن تسموا فساقا ، ففي الكلام حذف وتقديره ما ذكرنا .

وقال ابن زيد : معناه بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته {[64428]} .

ثم قال : { ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } .

أي : ومن {[64429]} لم يتب عن نبزه {[64430]} أخاه وسخريته منه فهو ظالم نفسه .


[64395]:ساقط من ع.
[64396]:ع: "الجماعة".
[64397]:انظر: البحر المحيط 8/112، والصحاح مادة "قوم" 5/2016، واللسان 3/191، والقاموس المحيط 4/163.
[64398]:ع: "التوائب"، وهو تصحيف.
[64399]:ع: "نفرة".
[64400]:انظر: لسان العرب، باب: قوم 3/195، ومختار الصحاح 556.
[64401]:انظر: تفسير مجاهد 611.
[64402]:ع: "ذنوبهم".
[64403]:ع: "كشف في الله"، وهو تحريف.
[64404]:ساقط من ع.
[64405]:انظر: تفسير القرطبي 16/365.
[64406]:ع: "فستر".
[64407]:ساقط من ع.
[64408]:أخرجه البخاري، كتاب: البر والصلة والآدب: باب: تعاون المؤمنين بعضهم بعضا بصيغة أخرى 7/80. ومسلم، كتاب: البر والصلة، والآدب، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم 16/139، عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، وأخرجه البغوي في شرح السنة – باب: تعاون المؤمنين وتراحمهم 13/46. وانظر: جامع البيان 26/83، وتفسير القرطبي 16/367.
[64409]:ع: "ونقصه".
[64410]:انظر: مفردات الراغب 454، والصحاح 3/895، واللسان 3/393 والقاموس المحيط 2/191.
[64411]:ع: "بالغيبة" وانظر: إعراب النحاس 4/213.
[64412]:ع: "يعيب ويجرد": وهو تصحيف.
[64413]:ع: "ويشير": و هو تصحيف.
[64414]:ع: "قال".
[64415]:ح: "الشابة": وهو تحريف.
[64416]:ع: "الإذاعة": وهو تصحيف.
[64417]:انظر: إعراب النحاس 4/213.
[64418]:انظر: جامع البيان 26/83.
[64419]:بنو سلمة بطن من جهينة من القحطانية، وهم بنو سملة بن نصر بن مالك بن عطفان بن قيس بن جهينة. انظر: نهاية الأرب 292.
[64420]:ح: "سمان".
[64421]:أخرجه الترمذي في كتابه: تفسير القرآن – باب: ومن سورة الحجرات 5/3321، وابن ماجه في كتاب الأدب – باب: الألقاب (رقم 3741)، وأحمد في المسند 5/380، و4/69 – 260، والحاكم في المستدرك 2/463 و4/281 -282، كلهم من طريق داود بن أبي هند عن عامر الشعبي. وانظر: تحفة الأشراف (رقم 11882)، وجامع البيان 26/84، وتفسير النسائي 2/320، وابن كثير 4/213، ولباب النقول 203.
[64422]:ع: "يا زان".
[64423]:انظر: تفسير مجاهد 611، وجامع البيان 26/84، وتفسير القرطبي 16/328، والدر المنثور 7/564.
[64424]:انظر: جامع البيان 26/84.
[64425]:انظر: جامع البيان 26/87، تفسير القرطبي 16/328، الدر المنثور 7/564.
[64426]:ع: "الرجل".
[64427]:انظر: جامع البيان 26/84 -85.
[64428]:انظر: جامع البيان 26/85، وزاد المسير 7/468.
[64429]:ساقط من ع.
[64430]:ح: "نبزه": وهو تصحيف.