ثم قال : { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم } [ 11 ] .
أي : لا {[64395]} يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين لعل ( المستهزئ منه خير من الهازئ ، وكذلك النساء .
" وقوم " في كلام العرب يقع للمذكرين خاصة ، ويجوز أن يكون فيهم نساء على المجاز .
وقال بعض أهل اللغة : إنما قيل الجماعة {[64396]} المذكرين قوم لأنه أريد جمع قائم فهذا أصله ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين .
فقوم عنده جمع قائم " كزائر وزور ، وصائم وصوم ، ونائم ونوم " {[64397]} .
وقيل : سميت الجماعة قوما لأنهم يقومون مع داعيهم في النوائب {[64398]} والشدائد ومثل ذلك قولهم لقوم الرجل نفره {[64399]} ، فهو جمع نافر ؛ لأنهم ينفرون معه إذا استفزهم {[64400]} ، قال مجاهد : لا يسخر قوم من قوم هو سخرية الغني بالفقير لفقره ، ولعل الفقير أفضل عند الله من الغني {[64401]} .
وقال ابن زيد : معناه لا يسخر من ستر الله على ذنوبه {[64402]} ممن ( كشف الله سبحانه ) {[64403]} في الدنيا ستره ، لعل ما أظهر الله عز وجل {[64404]} على هذا في الدنيا خير له في الآخرة {[64405]} من أن يسترها عليه في الدنيا ، فلست أيها الهازئ على يقين أنك أفضل منه بستر {[64406]} الله عز وجل {[64407]} عليك في الدنيا هذا معنى قوله .
ويروى أن هذه الآية نزلت في عكرمة بن أبي جهل بن هشام قدم المدينة مسلما فكان يمر بالمؤمنين فيقولون : هذا ابن فرعون هذه الأمة ، فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم أن يقولوا ذلك/ ، ونزلت الآية عامة فيه وفي غيره .
ثم قال : { ولا تلمزوا أنفسكم }/ أي : لا يطعن بعضكم على بعض .
وقال : أنفسكم لأن المؤمنين كرجل واحد .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمى والسهر " {[64408]} .
يقال : " لمزه يلمزه ويلمزه إذا عابه وتنقمه {[64409]} " . {[64410]} .
قال علي بن سليمان : اللمز الطعن على الإنسان بالحضرة ، والهمز في الغيبة {[64411]} .
قال المبرد : اللمز يكون باللسان ، والعين ( تعيبه وتجدد {[64412]} ) إليه النظر وتشير {[64413]} إليه بالاستنقاص ، والهمز لا يكون إلا باللسان في الحضرة والغيبة وأكثر ما يكون في الغيبة ، وقال {[64414]} النبز : اللقب الثابت {[64415]} ، والمنابزة : الإشاعة والإذاعة {[64416]} {[64417]} .
قال الطبري : النبز واللقب واحد {[64418]} .
قال الضحاك : نزلت هذه الآية في بني {[64419]} سلمة قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وما منهم رجل إلا وله إسمان {[64420]} وثلاثة ، فكان إذا دعي الرجل بالاسم قالوا إنه يغضب من هذا ، فنزلت { ولا تنابزوا بالألقاب } {[64421]} .
وقيل معناه : قول الرجل للرجل يا فاسق يا زاني {[64422]} ، يا كافر يا منافق قاله عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد {[64423]} .
وقال ابن عباس : هو تسمية الرجل بالكفر بعد الإسلام ، وبالفسق بعد التوبة {[64424]} .
وقال الحسن : هو اليهودي والنصراني يسلمان فنهي أن يقال لهما يا يهودي يا نصراني بعد إسلامه {[64425]} .
وقيل : هو دعاء الرجل للرجل {[64426]} بما يكره من اسم أو صفة أو لقب ، وهذا قول جامع لما تقدم {[64427]} .
ثم قال : { بيس الاسم الفسوق بعد الإيمان } .
أي : من فعل هذا الذي نهي عنه فسخر من أخيه المؤمن ونبزه بالألقاب فهو فاسق .
وبين الاسم الفسوق بعد الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا أن تسموا فساقا ، ففي الكلام حذف وتقديره ما ذكرنا .
وقال ابن زيد : معناه بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته {[64428]} .
ثم قال : { ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } .
أي : ومن {[64429]} لم يتب عن نبزه {[64430]} أخاه وسخريته منه فهو ظالم نفسه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.