تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

قوله :{ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } يقول : لا يستهزئ من الرجل من أخيه ، فيقول : إنك رديء المعيشة ، لئيم الحسب ، وأشباه ذلك مما ينقصه به من أمر ديناه ، ولعله خير منه عند الله تعالى ، فأما الذين استهزءوا فهم الذين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات ، وقد استهزءوا من الموالي عمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وبلال المؤذن ، وخباب بن الأرت ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن فهيرة ، وغيرهم من الفقراء ، قال : وإن سالم مولى أبي حذيفة كان معه راية المسلمين يوم اليمامة ، فقالوا له : إنا نخشى عليك ، فقال سالم : بئس حامل القرآن أنا إذا ، فقاتل حتى قتل .

ثم قال :{ عسى أن يكونوا خيرا منهم } عند الله { ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن } نزلت في عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، استهزأت من قصر أم سلمة بنت أبي أمية ، ثم قال :{ ولا تلمزوا أنفسكم } يقول : لا يطعن بعضكم على بعض ، فإن ذلك معصية { ولا تنابزوا بالألقاب } وذلك أن كعب بن مالك الأنصاري كان يكون على المقسم فكان بينه وبين عبد الله بن الحدرد الأسلمي بعض الكلام ، فقال له : يا أعرابي ، فقال له عبد الله : يا يهودي ، ثم انطلق عبد الله فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" لعلك قلت له : يا يهودي" ؟ قال : نعم قد قلت له ذلك إذ لقبني أعرابيا ، وأنا معاجر ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تدخلا على حتى ينزل الله توبتكم" ،ا فأوثقا أنفسهما إلى سارية المسجد إلى جنب المنبر .

فأنزل الله تعالى فيهما :{ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب } يقول : لا يعير الرجل أخاه المسلم بالملة التي كان عليها قبل الإسلام ، ولا يسميه بغير أهل دينه فإنه { بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } يعني بئس الاسم هذا ، أن يسميه باسم الكفر بعد الإيمان ، يعني بعد ما تاب وآمن بالله تعالى { ومن لم يتب } من قوله { فأولئك هم الظالمون } آية فلما أنزل الله تعالى توبتهما وبين أمرهما تابا إلى الله تعالى من قولهما وحلا أنفسهما من الوثائق .