بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

قوله عز وجل : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ } يعني : لا يستهزىء الرجل من أخيه . وقال بعضهم : الآية نزلت في ثابت بن قيس ، حيث عيّر الذي لم يوسع له في المكان ، وقال بعضهم : الآية نزلت في الذين ينادونه من وراء الحجرات . استهزؤوا من ضعفاء المسلمين ، { عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ } يعني : أفضل منهم ، وأكرم على الله تعالى { وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء } يعني : لا تستهزئ امرأة من امرأة ، وذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت : إن أم سلمة جميلة لولا أنها قصيرة { عسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مّنْهُنَّ } يعني : أفضل . ثم صارت الآية عامة في الرجال والنساء ، فلا يجوز أحد أن يسخر من صاحبه ، أو من أحد من خلق الله تعالى . وقال ابن مسعود رضي الله عنه : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أكون مثله .

ثم قال : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } يعني : لا يطعن بعضكم بعضاً . وقال القتبي : ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم كما قال : { لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هذا إِفْكٌ مُّبِينٌ } [ النور : 12 ] . يعني : بأمثالهم .

ثم قال : { وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب } يعني : لا تسموا باللقب . وقال محمد بن كعب القرظي : هو الرجل يكون على دين من الأديان ، فيسلم ، فيدعونه بدينه الأول : يا يهودي ، ويا نصراني . ويقال : لا تعيروا المسلم بالملة التي كان عليها ، ولا تسموه بغير دين الإسلام . وقال أهل اللغة : الألقاب والأنباز واحد . ومنه قيل في الحديث : «قومٌ نَبْزُهُمُ الرَّافِضَةُ » أي : لقبهم { وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب } أي : لا تداعوا بها . ويقال : هو اللقب الذي يكرهه الرجل . يعني : أنه ينبغي للمؤمن أن يخاطب أخاه بأحب الأسماء إليه . وقرأ بعضهم { وَلاَ تَلْمِزُواْ } بضم الميم . وقراءة العامة : بالكسر ، وهما لغتان . يقال : لمز فلان فلاناً ، يلمز ويلمزه إذا عابه . وذكر في التفسير أن الآية نزلت في مالك بن أبي مالك ، وعبد الله بن أبي حدرد ، وذلك أن أبا مالك كان على المقاسم . فقال لعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي : يا أعرابي . فقال له عبد الله : يا يهودي . فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخلا عليه ، حتى تظهر توبتهما ، فنزل { بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان } يعني : بئس التسمية لإخوانكم بالكفر وهم مؤمنون { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } من قوله { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون } فأوثقا أنفسهما حتى قبلت توبتهما .