معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} (179)

قوله تعالى : { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس } أخبر الله تعالى أنه خلق كثيراً من الجن والإنس للنار ، وهم الذين حقت عليهم الكلمة الأزلية بالشقاوة ، ومن خلقه الله لجهنم فلا حيلة له في الخلاص منها .

أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي الصيرفي ، أنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنا أحمد بن محمد بن أبي حمزة البلخي ، حدثنا موسى بن محمد بن الحكم الشطوي ، حدثنا حفص بن غياث ، عن طلحة بن يحيى ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : " أدرك النبي صلى الله عليه وسلم جنازة صبي من صبيان الأنصار ، فقال عائشة : طوبى له عصفور من عصافير الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما يدريك ؟ أن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم " . ؟

وقيل : اللام في قوله { لجهنم } لام العاقبة ، أي : ذرأناهم ، وعاقبة أمرهم جهنم ، كقوله تعالى { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً و حزناً } [ القصص :8 ] ، ثم وصفهم فقال : { لهم قلوب لا يفقهون بها } ، أي لا يعلمون بها الخير والهدى .

قوله تعالى : { ولهم أعين لا يبصرون بها } ، طريق الحق وسبيل الرشاد .

قوله تعالى : { ولهم آذان لا يسمعون بها } مواعظ القرآن فيتفكرون فيها ويعتبرون بها ، ثم ضرب لهم مثلاً في الجهل والاقتصار على الأكل والشرب .

قوله تعالى : { أولئك كالأنعام بل هم أضل } أي : كالأنعام في أن همتهم في الأكل والشرب ، والتمتع بالشهوات ، بل هم أضل ، لأن الأنعام تميز بين المضار والمنافع ، فلا تقدم على المضار ، وهؤلاء يقدمون على النار معاندةً مع العلم بالهلاك .

قوله تعالى : { أولئك هم الغافلون } .