أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

{ من شر الوسواس } أي الوسوسة كالزلزال بمعنى الزلزلة وأما المصدر فبالكسر كالزلزال والمراد به الموسوس وسمي بفعله مبالغة { الخناس } الذي عادته أن يخنس أي يتأخر إذا ذكر الإنسان ربه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

{ الوسواس } اسم من أسماء الشيطان{[12045]} ، وهو أيضاً ما توسوس به شهوات النفس وتسوله{[12046]} ، وذلك هو الهواء الذي نهي المرء عن اتباعه ، وأمر بمعصيته ، والغضب الذي وصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرحه وتركه ، حين قال له رجل : أوصني ، فقال : " لا تغضب " ، قال زدني : قال : " لا تغضب " {[12047]} . وقوله : { الخناس } معناه : على عقبه المستتر أحياناً ، وذلك في الشيطان متمكن{[12048]} إذا ذكر العبد وتعوذ وتذكر فأبصر كما قال تعالى : { إن الذين إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون{[12049]} } [ الأعراف : 201 ] ، وإذا فرضنا ذلك في الشهوات والغضب ونحوه فهو يخنس بتذكير النفس اللوامة بلمة الملك ، وبأن الحياء يردع ، والإيمان يردع بقوة ، فتخنس تلك العوارض المتحركة ، وتنقمع عند من أعين بتوفيق .


[12045]:الوسواس –بفتح الواو- بمعنى الاسم، أي: الموسوس، وبكسر الواو المصدر، يعني الوسوسة، مثل الزلزال والزلزال ، والوسوسة هي حديث النفس.
[12046]:سولت له نفسه: زينت له، وسول له الشيطان: أغواه.
[12047]:أخرجه البخاري في الأدب، والترمذي في البر، ومالك في "حسن الخلق" من موطئه، وأحمد في مسنده (2/362) عن أبي هريرة.
[12048]:في بعض النسخ: "وذلك في الشيطان ينكص".
[12049]:من الآية 201 من سورة الأعراف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

و{ الوسواس } : المتكلم بالوسوسة ، وهي الكلام الخفيّ ، قال رُؤبة يصف صائداً في قُتْرتِه :

وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلصاً ربَّ الفَلَقْ

فالوسواس اسم فاعل ويطلق الوسواس بفتح الواو مجازاً على ما يخطر بنفس المرء من الخواطر التي يتوهمها مثل كلام يكلم به نفسه قال عُروة بن أذينة :

وإذا وجَدْت لها وسَاوِسَ سَلوَةٍ *** شفَع الفؤادُ إلى الضمير فسَلَّها

والتعريف في { الوسواس } تعريف الجنس وإطلاق { الوسواس } على معنييه المجازي والحقيقي يشمل الشياطين التي تلقي في أنفُس الناس الخواطر الشريرة ، قال تعالى : { فوسوس إليه الشيطان } [ طه : 120 ] ، ويشمل الوسواسُ كل من يتكلم كلاماً خفياً من الناس وهم أصحاب المكائد والمؤامرات المقصود منها إلحاق الأذى من اغتيال نفوس أو سرقة أموال أو إغراءٍ بالضلال والإِعراض عن الهدى ، لأن شأن مذاكرة هؤلاء بعضهم مع بعض أن تكون سِراً لئلا يطلع عليها من يريدون الإِيقاعَ به ، وهم الذين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر ويغرون الناس بأذِيَّتِهِ .

و { الخناس } : الشديد الخنْس والكثيرُه . والمراد أنه صار عادة له . والخنس والخنوس : الاختفاء . والشيطان يلقب ب { الخناس } لأنه يتصل بعقل الإِنسان وعزمه من غير شعور منه فكأنَّه خنس فيه ، وأهل المكر والكيد والتختل خنّاسون لأنهم يتحينون غفلات الناس ويتسترون بأنواع الحيل لكيلا يشعر الناس بهم .

فالتعريف في { الخناس } على وزاننِ تعريف موصوفه ، ولأن خواطر الشر يهم بها صاحبها فيطرق ويتردد ويخاف تبعاتها وتزجره النفس اللّوامة ، أو يزَعه وازع الدين أو الحياء أو خوف العقاب عند الله أو عند الناس ثم تعاوده حتى يطمئن لها ويرتاض بها فيصمم على فعلها فيقترفها ، فكأنَّ الشيطان يبدو له ثم يختفي ، ثم يبدو ثم يختفي حتى يتمكن من تدليته بغرور .