الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

{ مِن شَرِّ الوسواس الخناس } : { الوسواس } : اسم مِنْ أسماء الشيطانِ ، وقولُه : { الخناس } معناه : الرَّاجِعُ على عَقِبِهِ المُسْتَتِرُ أحياناً ، فإذَا ذكر العَبْدُ اللَّه تعالى وتعوَّذ ، تذكَّر فأبْصَرَ ؛ كما قال تعالى : { إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طاَئِفٌ } [ الأعراف : 201 ] . قال النَّوَوِيُّ : قال بعضُ العلماءِ : يُسْتَحَبُّ قَول : " لا إله إلا اللَّهِ " لِمَنِ ابتلي بالوَسْوَسَةِ في الوضوءِ والصلاةِ وشِبْهِهِمَا ؛ فإن الشيطان إذا سمع الذِّكرَ خَنَسَ ، أي : تأخَّر وبَعُدَ ، و«لا إله إلا اللَّهُ » : رَأْسُ الذِّكْرِ ؛ ولذلك اختار السَّادَةُ الجِلَّةُ مِنْ صَفْوة هذه الأمة أهْلُ تربيةِ السَّالكين وتأدِيبِ المُرِيدِينَ قَوْلَ «لا إله إلا اللَّه » لأَهْلِ الخَلْوَةِ ، وأمَرُوهم بالمداومة علَيْهَا ، وقالوا : أنْفَعُ علاجٍ في دَفْعِ الوسوسةِ الإقبالُ على ذِكْرِ اللَّه تعالى ، والإكْثَارُ منْه ، وقال السَّيِّدُ الجليلُ أحْمَدُ بْنُ أبي الحوارِيِّ : شَكَوْتُ إلى أبي سُلَيْمَانَ الدَّرَانِيِّ الوَسْوَاسَ ، فقال : إذا أَرَدت أَنْ ينقطعَ عَنْكَ ، فَأَيَّ وَقْتٍ أحْسَسْتَ به ، فافرح ، فإنك إذا فَرِحْتَ به ، انقطع عنك ؛ لأنه ليْسَ شيءٌ أبْغَضُ إلى الشيطانِ مِنْ سرورِ المؤمن ، وإن اغتممت بِه ، زَادَكَ . ( ت ) : وهذا مما يؤيِّد ما قاله بَعْضُ الأئمة ؛ أنَّ الوسواس إنما يبتلى به مَنْ كَمُلَ إيمانه ؛ فإن اللِّصَّ لا يقصدُ بيتاً خَرباً . انتهى . ( ت ) : ورأيتُ في «مختصر الطبريِّ » نَحْوَ هذا .