غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ} (4)

1

وبالخامس المفسدون والأشرار لأنه بيان الموسوس فإن الوسواس الخناس قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس كما قال { شياطين الجن والإنس } [ الأنعام : 112 ] ، والخناس هو الذي من شأنه أن يخنس ، أي يتأخر ، وقد مر في قوله تعالى { فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس } [ التكوير :15 ] عن سعيد بن جبير : إذا ذكر الإنسان ربه خنس الشيطان وولى ، وإذا غفل وسوس إليه .

فكما أن شيطان الجن يوسوس تارة ، ويخنس أخرى ، فكذلك شيطان الإنس يرى نفسه كالناصح المشفق ، فإن زجره السامع انخنس وترك الوسوسة ، وإن تلقى كلامه بالقبول بالغ فيه حتى نال منه . وقال قوم : الناس الرابع يراد به الجن الإنس جميعاً ، وهو اسم للقدر المشترك بين النوعين ، كما روي أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم : من أنتم ؟ فقالوا : ناس من الجن . وقد سماهم الله رجالاً في قوله { وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن } [ الجن :6 ] . والناس الخامس هو المخصوص بالبشر ، ومعنى الآية على هذا التقدير أن هذا الوسواس الخناس لا يقتصر على إضلال البشر ، ولكنه يوسوس للنوعين ، فيكون قوله { من الجنة والناس } بياناً للناس . وفي هذا القول نوع ضعف ؛ لأنه يعد تسليم أن لفظ " الناس " يطلق على القدر المشترك يستلزم الاشتراك المخل بالفهم . وذكر صاحب الكشاف أنه إن جعل قوله { من الجنة والناس } بياناً للناس فالأولى أن يقال : الناس محذوف اللام ، كقولك الداع والقاض . قال الله تعالى :{ أجيب دعوة الداع } [ البقرة :186 ] ، وحينئذ يكون تقسيمه إلى الجن والإنس صحيحاً ؛ لأنهما النوعان اللذان ينسيان حق الله تعالى . وقيل { من الجنة والناس } بدل من { الوسواس } ، كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد ، ثم عمم فاستعاذ به من جميع الجنة والناس .

وقوله { من شر الوسواس } المضاف محذوف ، أي من شر ذي الوسواس ، وهو اسم بمعنى الزلزلة . وأما المصدر فوسواس بالكسر ، ويحسن أن يقال سمي الشيطان به ؛ لأنه كأنه وسوسة في نفسه ؛ لأنها صنعته وعمله الذي هو عاكف عليه نظيره { إنه عمل غير صالح } [ هود :46 ] .

/خ6