{ والخيل والبغال والحمير } عطف على { الأنعام } . { لتركبوها وزينة } أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة . وقيل هي معطوفة على محل { لتركبوها } وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله ، ولأن المقصود من خلقها الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض . وقرئ بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة { لتركبوها } أو مصدرا في موضع الحال من أحد الضميرين أي : متزينين أو متزينا بها ، واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالبا أن لا يقصد منه غيره أصلا ، ويدل على أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر . { ويخلق ما لا تعلمون } لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالبا احتياجا ضروريا أو غير ضروري أجمل غيرها ، ويجوز أن يكون إخبارا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به ، وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر .
وقوله تعالى : { والخيل } عطف أي وخلق الخيل ، وقرأ ابن أبي عبلة ، «والخيلُ والبغالُ والحميرُ » بالرفع في كلها ، وسميت الخيل خيلاً لاختيالها في المشية ، أفهمه أعرابي لأبي عمرو بن العلاء ، وقوله { وزينة } نصب بإضمار فعل ، قيل تقديره وجعلنا زينة ، وقرأ ابن عياض «لتركبوها زينة » دون واو ، والنصب حينئذ على الحال من الهاء في { تركبوها }{[7255]} وقوله { ويخلق ما لا تعلمون } عبرة منصوبة على العموم ، أي أن مخلوقات الله من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمها بشر ، بل ما يخفى عنه أثر مما يعلمه ، وقد روي أن الله تعالى خلق ألف نوع من الحيوان منها في البر أربعمائة ، وبثها بأعيانها في البحر ، وزاد في مائتين ليست في البر .
قال القاضي أبو محمد :وكل من خصص في تفسير هذه الآية شيئاً ، كقول من قال : سوس الثياب وغير ذلك فإنما هو على جهة المثال ، لا أن ما ذكره هو المقصود في نفسه . قال الطبري { ما لا تعلمون } هو ما أعد الله في الجنة لأهلها ، وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر ، واحتج بهذه الآية مالك رحمه الله ومن ذهب مذهبه في كراهة لحوم الخيل والبغال والحمير أو تحريمها بحسب الاختلاف في ذلك ، وذكر الطبري عن ابن عباس ، قال ابن جبير : سئل ابن عباس عن لحوم الخيل والبغال والحمير ، فكرهها فاحتج بهذه الآية ، وقال : جعل الله الأنعام للأكل ، وهذه للركوب ، وكان الحكم بن عتبة يقول : الخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله ويحتج بهذه الآية .
قال القاضي أبو محمد : وهذه الحجة غير لازمة عند جماعة من العلماء ، قالوا إنما ذكر الله عز وجل عظم منافع الأنعام ، وذكر عظم منافع هذه وأهم ما فيها ، وليس يقضي ذلك بأن ما ذكر لهذه لا تدخل هذه فيها ، قال الطبري وفي إجماعهم على جواز ركوب ما ذكر للأكل ، دليل على جواز أكل ما ذكر للركوب .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، ولحوم الخيل عند كثير من العلماء حلال ، وفي جواز أكلها حديث أسماء بنت أبي بكر ، وحديث جابر بن عبد الله : كنا نأكل الخيل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم{[7256]} .
قال القاضي أبو محمد : والبغال والحمير مكروهة عند الجمهور ، وهو تحقيق مذهب مالك ، ومن حجة من ألحق الخيل بالبغال والحمير في الكراهية القياس ، إذ قد تشابهت وفارقت الأنعام في أنها لا تجتر ، وأنها ذوات حوافر ، وأنها لا أكراش لها ، وأنها متداخلة في النسل ، إذ البغال بين الحمير والخيل فهذا من جهة النظر ، وأما من جهة الشرع بأن قرنت في هذه الآية وأسقطت فيها الزكاة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.