الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (8)

ثم قال تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها[ و{[38561]} ] زينة } [ 8 ] أي : وخلق لكم أيضا هذه ، نعمة بعد نعمة وفضلا بعد فضل .

وبهذه الآية يحتج من منع أكل لحوم الخيل لأنه تعالى ذكر ما يؤكل أولا ، وهي الأنعام ، ثم ذكر ما يركب ولا يؤكل وهي الخيل وما بعدها{[38562]} .

وأجاز جماعة أكل لحوم الخيل ورووا{[38563]} فيها أحاديث وآثار . واحتجوا بأنه لا دليل من لفظ الآية على تحريمها وإن قوله : { قل لا أجد في{[38564]} ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه }{[38565]} الآية ، يدل [ على{[38566]} ] تحليلها{[38567]} .

والذين [ ر{[38568]} ] ووا تحريمها ، رووا في ذلك أحاديث عن النبي عليه السلام في النهي عن أكلها{[38569]} . فيكون تركها كلها عندهم بالسنة وبدليل هذه الآية .

وقوله { وزينة } [ 8 ] .

[ أي : وللزينة . فهو{[38570]} ] مفعول لأجله{[38571]} . وقيل : المعنى وجعلها زينة ، فهو مفعول به{[38572]} .

وقرأ أبو عياض{[38573]} : " لتركبوها زينة " بغير واو{[38574]} .

ثم قال تعالى : { ويخلق ما{[38575]} لا تعلمون } [ 8 ] .

أي يخلق مع خلقه لهذه الأشياء { ما لا تعلمون } وهو ما أعد الله لأهل الجنة في الجنة ، ولأهل النار في النار ، مما لا تره عين{[38576]} ولا خطر على قلب بشر{[38577]} .

وعن ابن عباس أنه قال : خلق الله ألف أمة ، منها ست مائة في البحر ، وأربع مائة في البر ، فليس شيء في البر إلا وفي البحر مثله ، وفضل البحر بمائتين{[38578]} .

وعن وهب بن منبه أنه قال : إن لله{[38579]} ثمانية عشر ألف عالم{[38580]} ، الدنيا{[38581]} منها عالم واحد . وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في الجنان . وما الخلق كله{[38582]} في قبضة الله [ عز وجل{[38583]} ] إلا كخردلة في كف أحدكم{[38584]} .

وعن وهب أيضا ، يرفعه إلى النبي عليه السلام ، أنه قال : إن لله [ عز وجل{[38585]} ] ثمانية [ عشر{[38586]} ] [ ألف{[38587]} ] عالم{[38588]} ، الدنيا منها عالم واحد ، وإن لله{[38589]} في الدنيا ألف أمة سوى الانس والجن والشياطين ، أربع مائة في البر ، وست{[38590]} مائة في البحر{[38591]} .

وقد قال بعض المفسرين : إن هذا [ هو{[38592]} ] تأويل { الحمد لله رب العالمين{[38593]} } فجمع العالم لكثرة ذلك{[38594]} ، وقد قال تعالى : { وما يعلم جنود ربك إلا هو }{[38595]} .

وروي أنه{[38596]} : نهر عن يمين العرش من نور السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبع ، يدخل فيه{[38597]} جبريل عليه السلام كل سحر فيغتسل فيزداد نورا إلى نوره ، وجمالا إلى جماله ، وعظما إلى عظمه . ثم ينتفض فيخلق الله جل ذكره من كل نقطة تقع منه كذا وكذا ألف ملك . يدخل منهم كل يوم سبت المعمور سبعون ألفا ، وسبعون ألفا في الكعبة ثم لا يعودون إليه أبدا إلى أن تقوم الساعة . تصديقه :

{ وما يعلم جنود ربك إلا هو }{[38598]} .

وقال السدي{[38599]} : هو خلق السوس في الثياب{[38600]} .

والأحسن{[38601]} في هذه الآية : كونها على العموم ، أن الله يخلق الأشياء لا يعلمها{[38602]} ولا يعرفها{[38603]} [ أحد{[38604]} ] وأنه هو العالم بها وحده لا إله إلا هو .


[38561]:ساقط من ط.
[38562]:وهذا الرأي مروي عن ابن عباس والحكم بن عينية ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي ومجاهد وأبي عبيد،انظر: جامع البيان 14/82. ومعاني الزجاج 3/191 وأحكام الجصاص 3/183 والمحلي 7/406 وأحكام ابن العربي 3/1144، والتفسير الكبير 19/235 والجامع 10/51.
[38563]:ق: وروي.
[38564]:ط: فيما.
[38565]:الأنعام ك 145.
[38566]:ساقط من ق.
[38567]:وهو قول جمهور الفقهاء والمحدثين، ومروي عن الأسود بن يزيد وإبراهيم وأبي يوسف ومحمد من الحنفية والشافعي والحسن البصري وشريح ورجحه الطبري. انظر: جامع البيان 14/83 ومعاني الزجاج 3/191 وأحكام الجصاص 3/184 والمحلى 7/406 والمحرر 10/163 والجامع 10/51.
[38568]:ساقط من ط.
[38569]:جمعها ابن حزم في المحلى 7/406.
[38570]:ساقط من ق.
[38571]:وهو قول الزجاج، انظر: معاني الزجاج 3/190 وإعراب النحاس 2/392 والكشاف 2/402، والمشكل 2/13 والجامع 10/53 والبيان 2/790 والتحرير 14/107.
[38572]:وهو قول الفراء والأخفش. انظر: معاني الفراء 2/97 ومعاني الأخفش 2/605 معاني الزجاج 3/192 وإعراب النحاس 2/392 والمشكل 2/13 والمحرر 10/162 والجامع 10/53 والبيان 2/790.
[38573]:في ق وط ان عباس. وهو خطأ وأبو عياض هو عمرو بن الأسود العنسي أو الهمداني، الدمشقي أخذ عن زهاد الشام، روى عن معاذ وأبي الدرداء، وروى عنه حكيم وابنه مجاهد، انظر: طبقات ابن الخياط 280 والخلاصة 2/280.
[38574]:انظر: هذه القراءة في إعراب النحاس 2/392 والكشاف 2/402 والمحرر 10/162 والبيان 2/790.
[38575]:ق: وما لا تعلمون.
[38576]:ق: لم تر العين.
[38577]:انظر: تفسير ابن جرير جامع البيان 14/83.
[38578]:انظر: هذا الأثر في تفسير ابن كثير 1/390.
[38579]:ق: الله.
[38580]:ط:عام.
[38581]:ط: للدنيا.
[38582]:ق: وما الخلق لهم في ...
[38583]:ساقط من ق.
[38584]:انظر: هذا الأثر في الجامع 1/97 وتفسير ابن كثير 1/39.
[38585]:ساقط من ق.
[38586]:ساقط من ق.
[38587]:ساقط من ط.
[38588]:ط: عالما.
[38589]:ق: وان الله.
[38590]:ق: ستة.
[38591]:وهذا القول: فيه شطر من قول ابن عباس السابق، وروي عن أبي العالية. انظر: جامع البيان [المحقق] 1/146.
[38592]:ساقط من ط.
[38593]:الفاتحة: 2.
[38594]:وقد جمع أقوالهم ابن جرير، انظر: جامع البيان [المحقق] 1/146.
[38595]:المدثر: 31.
[38596]:الهاء يعود على قوله: {ويخلق ما لا يعلمون}.
[38597]:ق: فيها.
[38598]:المدثر: 31. وانظر: الأثر في التفسير الكبير 19/236 و الجامع 10/54 وفيها أنه قول ابن عباس، وانظر: أيضا تفسير ابن كثير 3/696.
[38599]:وهو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، تابعي حجازي الأصل سكن الكوفة صاحب التفسير والمغازي والسير وكان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس. انظر: النجوم الزاهرة 1/308 والبيان 1/537 والأعلام 1/317.
[38600]:انظر: هذا الأثر في: الجامع 10/54 ويحكى عن قتادة أيضا، والدر 5/113 يروي عن مجاهد.
[38601]:ق: والإحسان.
[38602]:ط : لا نعلمها.
[38603]:ق: ولا يرفعها.
[38604]:ساقط من ط.