قوله : { والخيل والبغال والحمير } العامة على نصبها ؛ نسقاً على الأنعام ، وقرأ ابن أبي عبلة برفعها{[19714]} على الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : مخلوقةٌ ومعدَّة لتركبوها ، وليس هذا ممَّا ناب فيه الجارُّ مناب الخبر لكونه كوناً خاصًّا .
قال القرطبي{[19715]} : " وسُمِّيت الخيل خيلاً لاختيالها في مشيها ، وواحد الخيل خائل ، كضَائن واحد ضأن . وقيل : لا واحد له ، ولما أفرد - سبحانه وتعالى - الخيل ، والبغال ، والحمير ، بالذكر ؛ دلَّ على أنَّها لم تدخل في لفظ الأنعام . وقيل : دخلتْ ؛ ولكن أفردها بالذكر لما يتعلق بها من الركوب ، فإنَّه يكثر في الخيل والبغال والحمير " .
قوله : " وَزِينَةً " في نصبها أوجهٌ :
أحدها : أنه مفعولٌ من أجله وإنَّما وصل الفعل إلى الأول باللام في قوله تعالى : { لِتَرْكَبُوهَا } وإلى هذا بنفسه لاختلاف الشَّرط في الأول ، وعدم اتحاد الفاعل ، وأنَّ الخالق الله والراكب المخاطبون .
الثاني : أنَّها منصوبة على الحال ، وصاحبُ الحال إمَّا مفعول " خَلَقَهَا " وإمَّا مفعول " لِترْكَبُوهَا " فهو مصدر ، وأقيم مقام الحالِ .
الثالث : أن ينتصب بإضمار فعلٍ ، فقدره الزمخشريُّ - رحمه الله - وخلقها زينة .
وقدره ابن عطيَّة وغيره : وجعلها زينةً .
الرابع : أنَّه مصدرٌ لفعلٍ محذوف أي : " ولتتَزيَّنُوا بِهَا زينةً " .
وقرأ قتادة عن ابن أبي عامر : " لتَرْكَبُوهَا زِينَةً " بغير واوٍ ، وفيها الأوجه المتقدمة ؛ ويريد أن يكون حالاً من فاعل " لِترْكبُوهَا " متزينين .
لمَّا ذكر منافع الحيوان التي ينتفع بها من المنافع الضرورية ، ذكر بعده منافع الحيوانات التي ليست بضرورية فقال : { والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } ، والخيل اسم جنسٍ لا واحد له من لفظه كالإبل .
واحتجَّ القائلون بتحريمِ لحومِ الخيلِ ؛ وهو قول ابن عباسٍ ، والحكم ، ومالك ، وأبي حنيفة - رضي الله عنهم - بهذه الآيةِ ، قالوا : منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب ، فلو كان أكل لحوم الخيل جائزاً ؛ لكان هذا المعنى أولى بالذِّكر ، وحيث لم يذكره الله - تعالى - علمنا تحريم أكله .
ويقوِّي هذا الاستدلال : أنَّه قال - تعالى - في صفة الأنعام { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } وهذه الكلمة تفيد الحصر ، فيقتضي أن لا يجوز الأكل من غير الأنعامِ فوجب أن يحرَّم أكل لحوم الخيل بمقتضى هذا الحصرِ .
ثمَّ إنَّه - تعالى - ذكر بعد هذا الكلام الخيل والبغال والحمير ، وذكر سبحانه أنها مخلوقة للركوب ، وهذا يقتضي أن منفعة الأكلِ مخصوصة بالأنعام .
وأيضاً قوله تعالى : { لِتَرْكَبُوهَا } يقتضي أنَّ تمام المقصود من خلق هذه الأشياء الثلاثة ، هو الركوبُ والزينةُ ، ولو حلَّ أكلها لما كان تمامُ المقصود من خلقها هو الركوب ، بل كان حلُّ أكلها أيضاً مقصوداً ؛ وحينئذٍ يخرج جواز ركوبها عن أن يكون تمام المقصودِ ؛ بل يصير بعض المقصودِ .
وأجاب الواحديُّ - رحمه الله- : بأنَّه لو دلَّت هذه الآية على تحريم أكل الخيل ؛ لكان تحريم أكلها معلوماً في مكَّة ؛ لأنَّ هذه السورة مكية .
ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامة المفسرين والمحدِّثين إنَّ تحريم لحوم الحمر الأهلية كان عام خيبر باطلاً ؛ لأنَّ التحريم لما كان حاصلاًُ قبل هذا اليوم ، لم يبق لتخصيص هذا التَّحريم بهذه [ السنة ]{[19716]} فائدة .
وأجاب غيره : بأنه ليس المراد من الآية بيان التَّحليل والتحريم ؛ بل المراد منه أن يعرِّف الله - تعالى - عباده نعمه ، وتنبيههم على كمالِ قدرته وحكمته .
واحتجُّوا بقولِ جابر - رضي الله عنه- : " نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبرٍ عَنْ لَحومِ الحُمرِ ورخَّصَ في لُحومِ الخَيْلِ " {[19717]} .
ولمَّا ذكر - تعالى - أصناف الحيوانات المنتفع بها ، ذكر بعده الأشياء التي لا ينتفع غالباً بها فذكرها على سبيل الإجمال .
فقال سبحانه وتعالى : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وذلك لأنَّ أنواعها وأصنافها خارجة عن الإحصاء ؛ فذكر ذلك على سبيل الإجمال .
وروى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : " إنَّ عَنْ يَمِينِ العَرْشِ نَهْراً مِنْ نُورٍ مِثلَ السَّمواتِ السَّبْع والبِحار السَّبعَة والأرضين السبع يَدخُل فيه جِبْريلُ - عليه الصلاة والسلام - كُلَّ سحرٍ فيزْدادُ نُوراً إلى نُورهِ وجَمالاً إلى جَمالهِ ، ثُمَّ ينتفِضُ فيَخْلقُ الله - سبحانه وتعالى - مِنْ كُلِّ نُقْطَة تقع مِن رِيشهِ كذا وكذا ألْفَ مَلك ، يَدخلُ مِنهُم كُلَّ يَومٍ سَبعُونَ ألفاً البيتَ المَعْمُورَ ، وفي الكَعْبةِ أيضاً سَبْعُون ألفاً لا يعُودُونَ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ " {[19718]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.