التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (8)

قوله تعالى : ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( 8 ) وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين ( 9 ) } هذه الأسماء : ( والخيل والبغال والحمير ) منصوبة ؛ لأنها معطوفة على قوله : ( والأنعام خلقها لكم ) والتقدير : وخلق الخيل والبغال والحمير . ( وزينة ) ، منصوب بفعل مقدر وتقديره : وجعلها زينة . وقيل : منصوب ؛ لأنه مفعول له ؛ أي للزينة{[2498]} ( والخيل ) ، اسم جنس للفرس وليس له مفرد من لفظه . وذلك كالإبل .

قوله : ( والبغال والحمير ) البغال جمع بغل وهو معروف . وكذا الحمير ، جمع حمار . فقد خلق الله هذه البهائم مضافة إلى الأنعام ؛ ليكون سائر ذلك مذللا للناس كيما ينتفعوا به ويستفيدوا منه على اختلاف وجوه المنافع والفوائد .

ومن جملة المنافع المستفادة من هذه البهائم والدواب : ركوبها ، وحمل الأثقال على ظهورها ، والتزين بها .

والتزين المستفاد من بهيمة البغال والحمير كان ظاهرة معروفة ومألوفة لدى الأمم السابقة سواء الأمة التي تنزل عليها القرآن ، أو من تبعها من الأمم والأجيال . لقد كانت ظاهرة التزين بهذا الصنف من البهائم مستطابة ومرغوبة لحاجة الناس إذ ذاك إليها . وبعد تقلص الحاجة إلى الانتفاع ببهائم الخيل والبغال والحمير ؛ فإنه لا ينبغي التقليل من أهمية هذه البهائم من حيث الصورة والمنظر . لا جرم أن بهيمة الخيل والبغال والحمير تثير في ذهن المتدبر البصير التفكر في عظمة الخالق الذي برأ الخلائق على اختلاف أشكالها وأجسامها وهيئاتها وصورها ؛ فما ينظر المرء إلى أي صنف من أصناف الدواب والبهائم ، ومنها الخيل والبغال والحمير إلا ويستثار فيه الإعجاب والرغبة في إطالة النظر وروعة التملي لجمال الصور التي جاءت عليها هاتيك الأحياء العجاب .

قوله : ( ويخلق ما لا تعلمون ) يخلق الله غير ما ذكر من أصناف النعم والبهائم سواء كان ذلك في سمائه مما لا نعلم عن عجيب خلقه الكثير الباهر . أو في الأرض من مختلف الخلائق والكائنات مما نعلم ومما لا نعلم . الله قادر على إيجاد ما يشاء من خلق مما ليس له مثال أو نظير ؛ فهو سبحانه الظاهر القاهر القادر على صنع ما يشاء في الطبيعة أو الأحياء أو الكائنات على اختلاف أنواعها وأشكالها .

ولدى الحديث عما لا نعلم ؛ فإنه يلزم التدبر في قوله عز وعلا : ( علم الإنسان ما لم يعلم ) لقد رزق الله الإنسان عقله ، فكان سببا فيما وصلت إليه البشرية في عصرها الراهن من عجيب المخترعات والصناعات العلمية ، ما بين حافلة نارية تقطع القفار والأمصار والبراري في سهولة ولين ويسر . أو سفينة تمخر عباب البحر لتحمل على متنها الأحمال الهائلة الثقال . أو طائر تجوب أجواز الفضاء في سرعة مذهلة تفوق سرعة الصوت إلى غير ذلك من ضروب المخترعات العلمية الحديثة ؛ فإن ذلك وغيره في زماننا هذا أو بعده لهو من إفرازات القدرة العقلية العظيمة التي امتن الله بها على الإنسان ؛ فالله جل وعلا لهو المتفضل المنان الذي أودع في الإنسان عقله ليكون سبيلا لتحقيق هذه المنجزات العلمية المثيرة مما نعلم ومما لا نعلم .


[2498]:- البيان للأنباري جـ 2 ص 75، 76.