غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (8)

1

{ والخيل والبغال والحمير } معطوفات على الأنعام أي وخلق هؤلاء للركوب والزينة فانتصب على أنه مفعول له معطوف على محل { لتركبوها } وإنما لم يقل و " لتتزينوا بها " ليكون المعطوف والمعطوف عليه على سنن واحد لأن الركوب فعل المخاطبين ، وأما الزينة ففعل الزائن وهو الخالق . والتحقيق فيه أن الركوب أحد الأمور المعتبرة في المقصود بخلاف التزين بالشيء فإنه قلما يلتفت إليه أرباب الهمم العالية لأنه يورث العجب والتيه غالباً وكأنه قال : خلقتها لتركبوها فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة ، وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر ولكنه غير مقصود بالذات . احتجت المعتزلة القائلون بأن أفعال الله معللة بالمصالح بأن قوله : { لتركبوها } يقتضي أن هذه الحيوانات مخلوقة لهذه المصلحة . والجواب أن استتباع الغاية والفائدة مسلم ولكن التعليل ممنوع ، واحتج الحنفية بالآية على تحريم لحوم الخيل من وجوه : أحدها إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر فيجب اشتراك الكل في الحكم ، لكن البغال والحمير محرمان فكذا الخيل . ثانيها أن منفعة الأكل أعظم منة من الركوب والتزين فلو كان أكل لحم الخيل جائزاً لكان هذا المعنى أولى بالذكر .

/خ8

ثم إن أنواع الغرائب والعجائب المخلوقة في هذا العالم لا حد لها ولا حصر فلهذا أشار إلى ما بقي منها على سبيل الإجمال فقال : { ويخلق ما لا تعلمون } أي كنهه وتفاصيله بل نوعه وجنسه فإن مركبات العالم السفلي وغرائب العالم العلوي لا يعلمها إلا موجدها . روى عطاء ومقاتل والضحاك عن ابن عباس أنه قال : إن عن يمين العرش نهراً من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة ، يدخل فيه جبرائيل عليه السلام كل سحر ويغتسل فيزداد نوراً إلى نوره وجمالاً إلى جماله ، ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل نقطة تقع من رأسه كذا وكذا ألف ملك يدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور ، وفي الكعبة أيضاً سبعون ألفاً ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة . وقيل : المراد ما خلق في الجنة والنار مما لم يبلغه فيهم أحد ولا وهمه .

/خ23