{ والخيل والبغال والحمير } بالنصب عطفاً على الأنعام ، أي : وخلق لكم هذه الثلاثة الأصناف . وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع فيها كلها ؛ وسميت الخيل خيلاً لاختيالها في مشيها ، وواحد الخيل خائل كضائن واحد الضأن ، وقيل : لا واحد له . ثم علل سبحانه خلق هذه الثلاثة الأنواع بقوله : { لِتَرْكَبُوهَا } وهذه العلة هي باعتبار معظم منافعها ، لأن الانتفاع بها في غير الركوب معلوم كالتحميل عليها { و } عطف { زِينَةُ } على محل { لتركبوها } لأنه في محل نصب على أنه علة لخلقها . ولم يقل : لتتزينوا بها ، حتى يطابق { لتركبوها } لأن الركوب فعل المخاطبين ، والزينة : فعل الزائن وهو الخالق . والتحقيق فيه : أن الركوب هو المعتبر في المقصود ، بخلاف الزينة ، فإنه لا يلتفت إليه أهل الهمم العالية ، لأنه يورث العجب ، فكأنه سبحانه قال : خلقتها لتركبوها ، فتدفعوا عن أنفسكم بواسطتها ضرر الإعياء والمشقة . وأما التزين بها فهو حاصل في نفس الأمر ، ولكنه غير مقصود بالذات . وقد استدلّ بهذه الآية القائلون بتحريم لحوم الخيل ، قائلين بأن التعليل بالركوب يدلّ على أنها مخلوقة لهذه المصلحة دون غيرها . قالوا : ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر ، وإخراجها عن الأنعام ، فيفيد ذلك اتحاد حكمها في تحريم الأكل . قالوا : ولو كان أكل الخيل جائزاً لكان ذكره ، والامتنان به أولى من ذكر الركوب ، لأنه أعظم فائدة منه ، وقد ذهب إلى هذا مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والأوزاعي ، ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم . وذهب الجمهور من الفقهاء والمحدّثين وغيرهم إلى حلّ لحوم الخيل . ولا حجة لأهل القول الأوّل في التعليل بقوله : { لِتَرْكَبُوهَا } لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافي غيره ، ولا نسلم أن الأكل أكثر فائدة من الركوب حتى يذكر ، ويكون ذكره أقدم من ذكر الركوب . وأيضاً لو كانت هذه الآية تدلّ على تحريم الخيل ، لدلت على تحريم الحمر الأهلية ، وحينئذٍ لا يكون ثم حاجة لتحديد التحريم لها عام خيبر ، وقد قدّمنا أن هذه السورة مكية . والحاصل : أن الأدلة الصحيحة قد دلت على حلّ أكل لحوم الخيل ، فلو سلمنا أن في هذه الآية متمسكاً للقائلين بالتحريم ، لكانت السنة المطهرة الثابتة رافعة لهذا الاحتمال ، ودافعة لهذا الاستدلال . وقد أوضحنا هذه المسألة في مؤلفاتنا بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره . { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } أي : يخلق ما لا يحيط علمكم به من المخلوقات غير ما قد عدّده ها هنا . وقيل : المراد : من أنواع الحشرات والهوامّ في أسافل الأرض ، وفي البحر مما لم يره البشر ولم يسمعوا به . وقيل : هو ما أعدّ الله لعباده في الجنة وفي النار مما لم تره عين ، ولم تسمع به أذن ، ولا خطر على قلب بشر ؛ وقيل : هو خلق السوس في النبات ، والدود في الفواكه ؛ وقيل : عين تحت العرش ؛ وقيل نهر من النور . وقيل : أرض بيضاء ، ولا وجه للاقتصار في تفسير هذه الآية على نوع من هذه الأنواع ، بل المراد أنه سبحانه يخلق ما لا يعلم به العباد ، فيشمل كل شيء لا يحيط علمهم به ، والتعبير هنا بلفظ المستقبل لاستحضار الصورة ، لأنه سبحانه قد خلق ما لا يعلم به العباد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.