الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلۡخَيۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِيرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِينَةٗۚ وَيَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (8)

وسمِّيت الخيلُ خيلاً لاختيالها في مِشْيتها .

( ت ) : ويجبُ على من ملكه اللَّه شيئاً من هذا الحيوانِ أنْ يَرْفُقَ به ، ويشْكُر اللَّه تعالى على هذه النعمة التي خَوَّلها ، وقد رَوَى مالك في «الموطَّأ » عن أبي عُبَيْدٍ مولى سليمانَ بْنِ عبدِ المَلِكِ ، عن خالدِ بْنِ مَعْدَانَ يرفعه ، قال : ( إِن اللَّه رفيقٌ يحبُّ الرِّفْق ، ويرضَاهُ ، ويعينُ عليه ما لاَ يُعِينُ على العُنْف ، فإِذا ركبتم هذه الدوابَّ العُجْمَ ، فأنزلوها منازِلَهَا ، فإِنْ كانَتِ الأرض جَدْبةً ، فانجوا عليها بِنِقْيِهَا ، وَعَلَيْكُمْ بسير اللَّيْلِ ، فَإِن الأرض تُطْوَى باللَّيْلِ ما لا تُطْوَى بالنهار ، وإِياكم والتَّعْرِيسَ على الطريقِ فإِنها طُرُق الدَّوابِّ ، ومأوى الحَيَّات ) . قال أبو عمر في «التمهيد » : هذا الحديث يستندُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ كثيرةٍ ، فأمَّا «الرفْقُ » ، فمحمودٌ في كلِّ شيء ، وما كان الرفْقُ في شيء إِلاّ زانه ، وقد رَوَى مالك بسنده عن عائشة ، وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ) ، وأُمِرَ المسافرُ في الخِصْبِ بأنْ يمشي رويداً ، ويكثر النزول ، لترعَى دابته ، فأَما الأرْضُ الجَدْبة ، فالسُّنَّة للمسافِرِ أَنْ يُسْرُع السيْر ليخرجَ عنها ، وبدابَّته شيءٌ من الشَّحْم والقُوَّة ، و«النِّقْي » في كلام العرب : الشَّحْم والوَدَك ، انتهى .

وروَى أبو داود عن أبي هُرَيْرة ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ( إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بِالغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ ، وَجَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فَعَلَيْهَا فاقضوا حَاجَاتِكِمْ ) انتهى .

وقوله سبحانه : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل :8 ] .

عبرةٌ منصوبةٌ على العمومِ ، أي : أنَّ مخلوقاتِ اللَّهِ مِنَ الحيوانِ وغيره لا يُحيطُ بعلْمها بَشَرٌ ، بل ما يخفَى عنه أكْثَرُ مما يعلمه .