أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

{ فإن تولّوا } عن الإيمان بك . { فقل حسبي الله } فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم . { لا إله إلا هو } كالدليل عليه . { عليه توكّلت } فلا أرجو ولا أخاف إلا منه . { وهو رب العرش العظيم } الملك العظيم ، أو الجسم العظيم المحيط الذي تنزل منه الأحكام والمقادير . وقرئ { العظيم } بالرفع . وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه : أن آخر ما نزل هاتان الآيتان .

ختام السورة:

وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما نزل القرآن علي إلا آية آية وحرفا حرفا ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد ، فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة " والله أعلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

ثم خاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد تقريره عليهم هذه النعمة فقال : { فإن تولوا } يا محمد أي أعرضوا بعد هذه الحال المتقررة التي من الله عليهم بها { فقل حسبي الله } معناه وأعمالك بحسب قولك من التفويض إلى الله والتوكل عليه والجد في قتالهم ، وليست بآية موادعة لأنها من آخر ما نزل ، وخصص { العرش } بالذكر إذ هو أعظم المخلوقات ، وقرأ ابن محيصن «العظيمُ » برفع الميم صفة للرب ، ورويت عن ابن كثير ، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت{[5990]} ، ووقع في البخاري أو أبي خزيمة ، فلما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة ، وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال : فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئاً أم لا ، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده ، أسند الطبري في كتابه قال : كان عمر لا يثبت آية في المصحف إلا أن يشهد عليها رجلان ، فلما جاء خزيمة بهاتين الآيتين قال : والله لا أسألك عليهما بينة أبداً فإنه هكذا كان صلى الله عليه وسلم .

قال القاضي أبو محمد : يعني صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي تضمنتها الآية ، وهذا والله أعلم قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وفي مدة أبي بكر حين الجمع الأول وحينئذ فقدت الآيتان ولم يجمع من القرآن شيء في خلافة عمر ، وخزيمة بن ثابت هو المعروف بذي الشهادتين ، وعرف بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمضى شهادته وحده في ابتياع فرس وحكم بها لنفسه صلى الله عليه وسلم{[5991]} ، وهذا خصوص لرسول الله صلى الله عليه وسلم{[5992]} وذكر النقاش عن أبيّ بن كعب أنه قال أقرب القرآن عهداً بالله تعالى هاتان الآيتان { لقد جاءكم رسول } إلى آخر السورة{[5993]} .


[5990]:- هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري، أبو عمارة، صحابي جليل، من أشراف الأوس ومن شجعانهم، حمل راية بني خطمة (من الأوس) يوم فتح مكة، وعاش إلى خلافة علي، وشهد معه صفّين فقتل فيها سنة 37هـ، روى له البخاري ومسلم 38 حديثا، وهو المعروف بذي الشهادتين.
[5991]:- روى أبو داود من طريق الزهري عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدّثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي (اسمه سوار ابن الحارثة) فجحده فشهد له خزيمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضرا؟ قال: صدقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه. وروى الدارقطني عن خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل شهادته شهادة رجلين، وفي البخاري من حديث زيد بن ثابت: فوجدتها مع خزيمة بن ثابت الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين. (الإصابة-الأعلام).
[5992]:- يعني أنه لا يجوز لأحد أن يحكم لنفسه، والنبي عليه صلوات الله وسلامه حكم لنفسه في هذه القضية، فهي خصوصية له صلى الله عليه وسلم، كما أن جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين خصوصية لخزيمة.
[5993]:- في "نوادر الأصول" عن بُريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال عشر كلمات عند دُبُر كل صلاة وجد الله عندهن مكفيا مجزيا، خمس للدنيا وخمس للآخرة: حسبي الله لديني، حسبي الله لدنياي، حسبي الله لما أهمني، حسبي الله لمن بغى عليّ، حسبي الله لمن حسدني، حسبي الله لمن كادني بسوء، حسبي الله عند الموت، حسبي الله عند المساءلة في القبر، حسبي الله عند الميزان، حسبي الله عند الصراط، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب).