الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

128

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله { فإن تولوا فقل حسبي الله } يعني الكفار ، تولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه في المؤمنين .

وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : خرجت سرية إلى أرض الروم ، فسقط رجل منهم فانكسرت فخذه ، فلم يستطيعوا أن يحملوه فربطوا فرسه عنده ووضعوا عنده شيئاً من ماء وزاد ، فلما ولوا أتاه آت فقال له : ما لك ههنا ؟ قال : انكسرت فخذي فتركني أصحابي . فقال : ضع يدك حيث تجد الألم . فقل { فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } قال : فوضع يده فقرأ هذه الآية ، فصح مكانه وركب فرسه وأدرك أصحابه .

وأخرج أبو داود عن أبي الدرداء موقوفاً وابن السني عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال حين يصبح وحين يمسي { حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة » .

وأخرج ابن النجار في تاريخه عن الحسن قال : من قال حين يصبح سبع مرات { حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم } لم يصبه ذلك اليوم ولا تلك الليلة كرب ولا سلب ولا غرق .

أما قوله تعالى : { وهو رب العرش العظيم } .

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إنما سمي العرش عرشاً لارتفاعه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن سعد الطائي قال : العرش ياقوتة حمراء .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى خلق العرش والكرسي من نوره ، فالعرش ملتصق بالكرسي ، والملائكة في جوف الكرسي وحول العرش أربعة أنهار ، نهر من نور يتلألأ ، ونهر من نار تتلظى ، ونهر من ثلج أبيض تلتمع منه الأبصار ، ونهر من ماء ، والملائكة قيام في تلك الأنهار يسبحون الله تعالى ، وللعرش ألسنة بعدد ألسنة الخلق كلهم ، فهو يسبح الله تعالى ويذكره بتلك الألسنة .

وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « العرش ياقوتة حمراء ، وإن ملكاً من الملائكة نظر إليه وإلى عظمه فأوحى الله إليه : إني قد جعلت فيك قوّة سبعين ألف ملك لكل ملك سبعون ألف جناح فطر . فطار الملك بما فيه من القوّة والأجنحة ما شاء الله أن يطير ، فوقف فنظر فكأنه لم يرم » .

وأخرج أبو الشيخ عن حماد قال : خلق الله العرش من زمردة خضراء ، وخلق له أربع قوائم من ياقوتة حمراء ، وخلق له ألف لسان ، وخلق في الأرض ألف أمة كل أمة تسبح الله بلسان من ألسن العرش .

وأخرج الطبراني وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال : إن العرش مطوّق بحية ، والوحي ينزل في السلاسل .

وأخرج ابن المنذر عن عطاء قال : كانوا يرون أن العرش على الحرم .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : ما يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه ، وإن السماوات في خلق العرش مثل قبة في صحراء .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : ما أخذت السماوات والأرض من العرش إلا كما تأخذ الحلقة من أرض الفلاة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب قال : إن السماوات في العرش كالقنديل معلقاً بين السماء والأرض .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن يزيد البصري قال : في كتاب ما تنبأ عليه هرون النبي عليه الصلاة والسلام : إن بحرنا هذا خليج من نبطس ، ونبطس وراءه وهو محيط بالأرض ، فالأرض وما فوقها من البحار عند نبطس كعين على سيف البحر ، وخلف نبطس قينس محيط بالأرض ، فنبطس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، وخلف قينس الأصم محيط بالأرض ، فقينس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، وخلف الأصم المظلم محيط بالأرض ، فالأصم وما دونه عنده كعين على سيف البحر : وخلف المظلم جبل من الماس محيط بالأرض ، فالمظلم وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، وخلف الماس الباكي وهو ماء عذب محيط بالأرض أمر الله نصفه أن يكون تحت العرش ، فأراد أن يستجمع فزجره فهو باك يستغفر الله ، فالماس وما دونه عنده كعين على سيف البحر ، والعرش خلف ذلك محيط بالأرض ، فالباكي وما دونه عنده كعين على سيف البحر .

وأخرج أبو الشيخ عن عبد الرحمن بن زيد أسلم عن أبيه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة القيت في ترس » قال ابن زيد : قال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم « ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد القيت بين ظهري فلاة من الأرض ، والكرسي موضع القدمين » .

وأخرج أبو الشيخ عن وهب رضي الله عنه قال : خلق الله العرش ، وللعرش سبعون ألف ساق كل ساق كاستدارة السماء والأرض .

وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد رضي الله عنه قال : بين الملائكة وبين العرش سبعون حجاباً ، حجاب من نور وحجاب من ظلمة ، وحجاب من نور وحجاب من ظلمة . . .

وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب « لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرضين ورب العرش الكريم » .

وأخرج النسائي والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : علمني علي رضي الله عنه كلمات علمهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه يقولهن عند الكرب والشيء يصيبه « لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين » .

وأخرج الحكيم الترمذي من طريق إسحق بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « لقنوا موتاكم لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين . قالوا : يا رسول الله فكيف هي للحي ؟ قال : أجود وأجود » .

وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن جعفر ، أنه زوّج ابنته فخلا بها فقال : إذا نزل بك الموت أو أمر من أمور الدنيا فظيع فاستقبليه بأن تقولي « لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين .

وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه رضي الله عنه . أن حزقيل كان في سبا بختنصر مع دانيال من بيت المقدس ، فزعم حزقيل أنه كان نائماً على شاطىء الفرات ، فأتاه ملك وهو نائم فأخذ برأسه فاحتمله حتى وضعه في خزانة بيت المقدس قال : فرفعت رأسي إلى السماء فإذا السماوات منفرجات دون العرش قال : فبدا لي العرش ومن حوله ، فنظرت إليهم من تلك الفرجة فإذا العرش - إذا نظرت إليه - مظل على السماوات والأرض ، وإذا نظرت إلى السماوات والأرض رأيتهن متعلقات ببطن العرش ، وإذا الحملة أربعة من الملائكة لكل ملك منهم أربعة وجوه ، وجه إنسان ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، ووجه ثور ، فلما أعجبني ذلك منهم نظرت إلى أقدامهم فإذا هي في الأرض على عجل تدور بها ، وإذا ملك قائم بين يدي العرش له ستة أجنحة لها لون كلون فرع ، لم يزل ذلك مقامه منذ خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة ، فإذا هو جبريل عليه السلام ، وإذا ملك أسفل من ذلك أعظم شيء رأيته من الخلق ، فإذا هو ميكائيل وهو خليفة على ملائكة السماء ، وإذا ملائكة يطوفون بالعرش منذ خلق الله الخلق إلى أن تقوم الساعة يقولون : قدوس قدوس ربنا الله القوي ملأت عظمته السماوات والأرض ، وإذا ملائكة أسفل من ذلك ، لكل ملك منهم ستة أجنحة ، جناحان يستر بهما وجهه من النور ، وجناحان يغطي بهما جسده ، وجناحان يطير بهما .

وإذا هم الملائكة المقربون ، وإذا ملائكة أسفل من ذلك سجود منذ خلق الله الخلق إلى أن ينفخ في الصور ، فإذا نفخ في الصور رفعوا رؤوسهم ، فإذا نظروا إلى العرش قالوا : سبحانك ما كنا نقدرك حق قدرتك ! ثم رأيت العرش تدلى من تلك الفرجة فكان قدرها ، ثم أفضى إلى ما بين السماء والأرض فكان يلي ما بينهما ، ثم دخل من باب الرحمة فكان قدره ، ثم أفضى إلى المسجد فكان قدره ، ثم وقع على الصخرة فكان قدرها ، ثم قال : يا ابن آدم .

فصعقت وسمعت صوتاً لم أسمع مثله قط ، فذهبت أقدر ذلك الصوت فإذا قدره كعسكر اجتمعوا فاجلبوا بصوت واحد أو كفئة اجتمعت فتدافعت وأتى بعضها بعضاً ، أو أعظم من ذلك .

قال حزقيل : فلما صعقت قال : أنعشوه فإنه ضعيف خلق من طين ، ثم قال : اذهب إلى قومك فأنت طليعتي عليهم كطليعة الجيش من دعوته منهم ، فأجابك واهتدى بهداك فلك مثل أجره ، ومن غفلت عنه حتى يموت ضالاً فعليك مثل وزره لا يخفف ذلك من أوزارهم شيئاً ، ثم عرج بالعرش واحتملت حتى رددت إلى شاطىء الفرات ، فبينما أنا نائم على شاطىء الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى أدخلني جنب بيت المقدس ، فإذا أنا بحوض ماء لا يجوز قدمي ، ثم افضيت منه إلى الجنة فإذا شجرها على شطوط أنهارها ، وإذا هو شجر لا يتناثر ورقه ولا يفنى عمره ، فإذا فيه الطلع والقضيب[ ] والبيع والقطيف قلت : فما لباسها ؟ قال : هو ثياب كثياب الحور يتفلق على أي لون شاء صاحبه . قلت : فما ازواجها ؟ فعرضن عليَّ فذهبت لأقيس حسن وجوههن ، فإذا هن لو جمع الشمس والقمر كان وجه احداهن اضوأ منهما ، وإذا لحم إحداهن لا يواري عظمها ، وإذا عظمها لا يواري مخها ، وإذا هي إذا نام عنها صاحبها استيقظ وهي بكر فعجبت من ذلك . . . ! فقيل لي : لم تعجب من هذا ؟ فقلت : وما لي لا أعجب ؟ ! قال : فإنه من أكل من هذه الثمار التي رأيت خلد ، ومن تزوج من هذه الأزواج انقطع عنه الهم والحزن قال : ثم أخذ برأسي فردني حيث كنت .

قال حزقيل : فبينا أنا نائم على شاطىء الفرات إذ أتاني ملك فأخذ برأسي فاحتملني حتى وضعني بقاع من الأرض قد كانت معركة ، وإذا فيه عشرة آلاف قتيل قد بددت الطيور والسباع لحومهم وفرقت بين اوصالهم ، ثم قال لي : إن قوماً يزعمون أنه من مات منهم أو قتل فقد انفلت مني وذهبت عنه قدرتي فادعهم .

قال حزقيل : فدعوتهم فإذا كل عظم قد أقبل إلى مفصله الذي منه انقطع ، ما رجل بصاحبه بأعرف من العظم بمفصله الذي فارق حتى أمَّ بعضها بعضاً ، ثم نبت عليها اللحم ، ثم نبتت العروق ، ثم انبسطت الجلود وأنا أنظر إلى ذلك ، ثم قال : ادع لي أرواحهم . قال حزقيل : فدعوتها وإذا كل روح قد أقبل إلى جسده الذي فارق ، فلما جلسوا سألتهم فيم كنتم ؟ ! قالوا : إنَّا لما متنا وفارقنا الحياة لقينا ملك يقال له ميكائيل ، قال : هلموا أعمالكم وخذوا أجوركم ، كذلك سُنَّتنا فيكم وفيمن كان قبلكم وفيمن هو كائن بعدكم . فنظر في أعمالنا فوجدنا نعبد الأوثان ، فسلط الدود على أجسادنا وجعلت الأرواح تألمه ، وسلط الغم على أرواحنا وجعلت أجسادنا تألمه ، فلم نزل كذلك نعذب حتى دعوتنا . قال : احتملني فردني حيث كنت .