فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ} (129)

ثم قال مخاطبا لرسوله ومسليا له ومرشدا له إلى ما يقوله عند أن يعصى { فإن تولوا } أي أعرضوا عنك ولم يعملوا بما جئت به ولا قبلوه { فقل } يا محمد { حسبي } أي كافي { الله } سبحانه { لا إله إلا الله } أي المتفرد بالألوهية وهذه الجملة الحالية كالدليل لما قبلها { عليه توكلت } أي فوضت جميع أموري إليه لا إلى غيره { وهو رب العرش العظيم } وصفه بالعظيم لأنه أعظم المخلوقات قرأ الجمهور بالجر على أنه صفة العرش وقرئ بالرفع صفة لرب ، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير . قال أبو بكر الأصم : وهذه القراءة أعجب إلي لأن جعل العظيم صفة للرب أولى من جعله صفة للعرش .

قال ابن عباس : إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه ، وقد رويت أحاديث كثيرة في صفة العرش وماهيته وقدره ، وقال السيوطي الكرسي ، قال الصاوي : قوله الكرسي مرور على القول باتحاد العرش مع الكرسي ، وهو خلاف الصحيح أن العرش غير الكرسي . اه .

وعبارة الخازن اعترض بعضهم على هذا التفسير بأن العرش غير الكرسي وإن الكرسي أصغر من العرش فكيف يفسر به وهو مدفوع بأن المسألة خلافية والمشهور ما سمعته ؛ وقيل إنهما اسمان لشيء واحد فالعرش والكرسي معناهما الجسم العظيم المحيط بجميع المخلوقات المسمى بالعرش على القول المشهور . أ . ه .

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه : أن آخر ما نزل هاتان الآيتان . ذكره القاضي والمفتي وغيرهما . قال السيوطي رواه الحاكم في المستدرك وقال الخفاجي أخرجه أحمد بن حنبل .

وقوله آخر ما نزل الخ يعارضه ما رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن آخر آية نزلت { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } وآخر سورة نزلت براءة . وعن ابن عباس رضي الله عنهما : آخر آية نزلت { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله } وكان بينها وبين موته صلى الله عليه وآله وسلم ثمانون يوما ، وقيل تسع ليال ، وحاول بعضهم التوفيق بين هذه الروايات بما لا يخلو عن كدر ، وفي هذه الآية إشكال مشهور في كتب الحديث .