التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ} (99)

قوله تعالى { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } ، { وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله } سورة يونس : 100 ، ونحو هذا في القرآن ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى ، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول ، ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول .

قال ابن كثير : يقول تعالى { ولو شاء ربك } يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كقوله تعالى { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } وقال تعالى { أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا } ولهذا قال تعالى { أفأنت تكره الناس } أي تلزمهم وتلجئهم { حتى يكونوا مؤمنين } أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله { يضل من يشاء ويهدي من يشاء } ، { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } { لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين } .

قال الشيخ الشنقيطي : صرح تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه لو شاء إيمان جميع أهل الأرض لآمنوا كلهم جميعا ، وهو دليل واضح على كفرهم واقع بمشيئته الكونية القدرية ، وبين ذلك في آيات كثيرة كقوله { ولو شاء الله ما أشركوا } الآية وقوله : { ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها } وقوله : { ولو شاء الله لجمعهم على الهدى } إلى غير ذلك من الآيات .

قوله تعالى { أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين }

قال الشيخ الشنقيطي : بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن من لم يهده الله فلا هادي له ، ولا يمكن أحدا أن يقهر قلبه على الانشراح إلى الإيمان إلا إذا أراد الله به ذلك . وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله { ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا } ، وقوله { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } الآية ، وقوله : { إنك لا تهدي من أحببت } الآية ، وقوله : { ومن يضلل الله فلا هادي له } .

أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : { ويجعل الرجس } ، قال : السخط .