وقوله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) قالت المعتزلة : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ ) مشيئة الاختيار لكنهم لم يؤمنوا واستدلوا على ذلك بقوله : ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) .
فيقال لهم : إن مشيئة الاختيار هي الظاهرة عندكم ، ومشيئة الجبر غايته . فإذا وجد منه مشيئة الاختيار ، فلم يؤمنوا ، ولم تنفذ مشئيته فيهم ، كيف يصدق هو في الإخبار عن المشيئة التي هي غايته أنها لو كانت لآمنوا ؟ هذا فاسد على قولهم .
وبعد فإن المشيئة لو كانت مشيئة القهر لكانوا مؤمنين بتلك المشيئة وفي خلقه لأن كل كافر مؤمن بخلقته ، لأن خلقة كل أحد تشهد على وحدانية الله . فإذن كانوا مؤمنين بالخلقة .
ثم إنه لو شاء لآمنوا ؛ دل أنه لم يرد به مشيئة الاختيار .
وتأويله عندنا هو أن عند الله تعالى لطفا ، لو أعطاهم كلهم لآمنوا جميعا ، لكنه إن علم منهم أنهم لا يؤمنون شاء ألا يؤمنوا .
ثم لا يحتمل أن يتحقق الإيمان بالجبر والقهر لأنه عمل القلب ، والجبر الإكراه لا يعمل على القلب ، فهو إن يتكلم بكلام الإيمان فلا يكون مؤمنا حتى يؤمن بالقلب . فيكون التأويل على قولهم : ( ولو شاء ربك فلا يؤمنون ) . فهذا متناقض فاسد .
وبعد فإن الإيمان لا يكون في حال الإكراه والإجبار لأن الإكراه يزيل الفعل على المكره كأن لا فعل له في الحكم .
وقوله تعالى : ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) فإن قيل : أليس قال الله عز وجل ( تقاتلونهم أو يسلمون )[ الفتح : 16 ] حتى يسلموا ، ذلك إكراه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله »[ البخاري : 25 ] فذلك إكراه ، فكيف يجمع بين آيتين ؟ قيل : لوجهين :
أحدهما : ما ذكر أن هذه السورة مكية ، وقوله : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) مدنية ، فيحتمل قوله : ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) أي لا تكرهم ، ثم أمر بالمدينة بالقتال والحرب والإكراه عليه .
والثاني : يجوز أن يجمع بين الآيتين ، وهو أن يكون قوله تعالى : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) أي تقاتلونهم حتى يقولوا قول إسلام ، ويتكلموا بكلام الإيمان ، دليله ما روي «حتى يقولوا لا إله إلا الله » .
والقول بقول : لا إله إلا الله على غير حقيقة ذلك في القلب ليس بإيمان . وفي هذه الآية ( حتى يكونوا مؤمنين ) وبالإكراه لا يكونون مؤمنين حقيقة لأنه عمل القلب ، والإكراه مما لا يعمل عليه ، والله أعلم .
وتأويل[ في الأصل وم : تأويله ] قوله : ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ) ؟ أي لا تملك أن تكرههم ، وكان رسول الله لشدة حرصه ورغبته[ في الأصل وم : ورغبة ] في إيمانهم كاد أن يكرههم على الإيمان إشفاقا عليهم كقوله : ( لعل باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين )[ الشعراء : 3 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.