فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ} (99)

ثم بين سبحانه أن الإيمان وضده كلاهما بمشيئة الله وتقديره ، فقال : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرض كُلُّهُمْ } بحيث لا يخرج عنهم أحد { جَمِيعاً } مجتمعين على الإيمان ، لا يتفرّقون فيه ويختلفون ، ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفاً للمصلحة التي أرادها الله سبحانه ، وانتصاب جميعاً على الحال كما قال سيبويه . قال الأخفش : جاء بقوله جميعاً بعد كلهم للتأكيد كقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين } ولما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم حريصاً على إيمان جميع الناس ، أخبره الله بأن ذلك لا يكون ؛ لأن مشيئته الجارية على الحكمة البالغة ، والمصالح الراجحة ، لا تقتضي ذلك ، فقال : { أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } فإن ذلك ليس في وسعك يا محمد ، ولا داخل تحت قدرتك ، وفي هذا تسلية له صلى الله عليه وسلم ، ودفع لما يضيق به صدره من طلب صلاح الكل ، الذي لو كان لم يكن صلاحاً محققاً بل يكون إلى الفساد أقرب ، ولله الحكمة البالغة .

/خ100