تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَأٓمَنَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِيعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ} (99)

{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ 99 }

التفسير :

99 { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا . . . } الآية .

كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه ، وتبليغ دعوته ، وكان يتحسر كثيرا ؛ لبعدهم عن طريق الهداية .

قال تعالى : { فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا } . ( الكهف : 6 ) .

وفي هذه الآية بيان لحقيقة إلهية كونية ، وهي أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له الملائكة ، ومنحه العقل والاختيار والإرادة ، وجعل الجزاء في الآخرة منوطا بكسب الإنسان واختياره في هذه الدنيا ؛ حتى يكون الجزاء من جنس العمل ، فقد خلق الله الناس مستعدين بفطرتهم للسير في طريق الخير أو الشر ، والإنسان بإرادته واختياره وكسبه هو الذي يرجح أحد الاتجاهين . قال تعالى : { ونفس وما سوها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها{ . ( الشمس : 710 ) .

وقال عز شأنه : { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكر وإما كفورا } . ( الإنسان : 2 ، 3 ) .

وقال سبحانه : { ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين } . ( البلد : 810 ) ؛ أي : بينا له الطريقين .

وخلاصة معنى الآية : ولو شاء ربك ألا يخلق الإنسان مستعدا بفطرته للخير والشر ، والإيمان والكفر ، ومرجحا باختياره لأحد الأمور الممكنة على ما يقابله بإرادته ومشيئته ؛ لفعل ذلك ، ولكن اقتضت حكمته أن يخلقه هكذا ؛ يوازن باختياره بين الإيمان والكفر ؛ فيؤمن بعض ، ويكفر آخرون .

{ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } . أي : أفأنت مطلوب منك أن تكره الناس على دينك حتى يصيروا مؤمنين به ؟ كلا ، فأشفق على نفسك ؛ فما عليك إلا البلاغ ، وحسبك أداء واجبك ، وهو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة .

قال تعالى : { إن أنت إلا نذير } . ( فاطر : 23 ) .

وقال سبحانه : { ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء } . ( البقرة : 272 ) .

وقال : { إن عليك إلا البلاغ }( الشورى : 47 ) .

وقال : { وما أنت عليهم بجبار } . ( ق : 45 ) .

وقال سبحانه : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي } . ( البقرة : 206 ) .