نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

فلما رآهما بصيرين بالأمور { قال } إشارة إلى أنه يعرف ذلك وأدق منه ، ليقبلا نصحه فيما هو أهم{[41292]} المهم لكل أحد ، - وهو ما خلق العباد له من الاجتماع على الله - لتفريغهما للفهم لكلامه والقبول لكل ما يلقيه لاحتياجهما إلى إفتائهما ، مؤكداً ما وصفاه به من الإحسان بما اتبعه من وصف نفسه بالعلم ، انتهازاً لفرصة النصيحة عند هذا الإذعان بأعظم ما يكون النصح به من الأمر بالإخلاص في عبادة الخالق والإعراض عن الشرك ، فعلى كل ذي علم إذا احتاج إلى سؤاله أحد أن يقدم على جوابه نصحه بما هو الأهم له ، ويصف له نفسه بما يرغبه في قبول علمه إن كان الحال محتاجاً إلى ذلك ، ولا يكون ذلك من باب التزكية بل{[41293]} من{[41294]} الإرشاد إلى الإئتمام به بما يقرب إلى الله فيكون{[41295]} له مثل أجره : { لا يأتيكما } أي في اليقظة { طعام } وبين أنه خاص بهما{[41296]} دون أهل السجن بقوله : { ترزقانه } بناه للمفعول{[41297]} تعميماً { إلاّ نبأتكما } أي أخبرتكما إخباراً جليلاً عظيماً { بتأويله } أي{[41298]} به و{[41299]} بما يؤل ويرجع إليه أمره .

ولما كان البيان في جميع الوقت الذي بينه وبين الطعام الذي قبله ، نزع الخافض فقال : { قبل أن يأتيكما } أي أخبرتكما{[41300]} بأنه يأتيكما طعام كذا ، فيكون سبباً لكذا ، فإن المسبب{[41301]} الناشىء عن السبب هو المال .

ولما وصف نفسه من العلم بما{[41302]} يدعو كل ذي همة إلى السعي في الأسباب التي حصل له{[41303]} ذلك بها{[41304]} ليصير مثله أو يقرب منه ، وكان{[41305]} محل أن يقال : من علمك ذلك ؟ قال مرشداً إلى الله داعياً إليه أحسن دعاء بما تميل إليه النفوس من الطمع في{[41306]} الفضل : { ذلكما } أي الأمر العظيم ؛ ونبه على غزارة علمه بالتبعيض في قوله : { مما علمني ربي } أي الموجد لي والمربي لي{[41307]} والمحسن إليّ ، ولم أقله عن تكهن{[41308]} ولا تنجيم ، فكأنه قيل : ما لغيرك لا يعلّمه مثل ما{[41309]} علمك ؟ فقال معللاً له مطمعاً كل من فعل فعله في فضل الله ، مؤكداً إعلاماً بأن ذلك أمر عظيم يحق لمثله أن يفعل : { إني تركت ملة قوم } أي وإن كانوا أقوياء على محاولة{[41310]} ما يريدون ، فلذلك قدروا على أذاي وسجني بعد رؤية الآيات الشاهدة{[41311]} لي ، ونبه على أن ذلك لا يقدم عليه إلاّ من لا يحسب{[41312]} العاقبة بوجه ، فقال : { لا يؤمنون } أي يجددون الإيمان لما لهم من العراقة في الكفر { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا يخفى أمره على ذي لب من أهل مصر وغيرهم ؛ ثم لوح إلى التحذير من يوم الجزاء الذي لا يغنى فيه أحد عن أحد ، منبهاً على أن الكفر به هو القاطع عن العلم وعن{[41313]} كل خير ، فقال مؤكداً تأكيداً عظيماً{[41314]} ، إشارة إلى أن أمرهم ينبغي أن ينكره كل من يسمعه ، ولا يصدقه ، لما على الآخرة من الدلائل الواضحة جداً الموجبة لئلا يكذب به أحد : { وهم بالآخرة } أي الدار التي لا بد من الجمع إليها ، لأنها محط الحكمة { هم } أي بضمائرهم كما هم{[41315]} بظواهرهم ، وفي تكرير الضمير تنبيه على أن هؤلاء اختصوا{[41316]} بهذا الجهل ، وأن غيرهم وقفوا على{[41317]} الهدى { كافرون } أي عريقون{[41318]} في التغطية لها ، فلذلك أظلمت قلوبهم فكانوا صوراً لا معاني لها ؛ والملة : مذهب جماعة يحمي{[41319]} بعضها لبعض في الديانة ، وأصله من المليلة ، وهي حمى تلحق الإنسان - قاله الرماني .

و{[41320]} في القاموس إن المليلة{[41321]} : الحر الكامن{[41322]} في العظم . وعبر ب { تركت{[41323]} } موضع " تجنبت " مثلاً مع كونه لم يلابس تلك الملة قط ، تأنيساً لهما واستدراجاً إلى تركهما ؛


[41292]:زيد من ظ و م ومد.
[41293]:زيد من م ومد.
[41294]:في ظ "و".
[41295]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: بما يكون.
[41296]:في ظ: بهم.
[41297]:زد من م.
[41298]:سقط ما بين الرقمين من م.
[41299]:سقط ما بين الرقمين من م.
[41300]:زيد ببعده في الأصل و ظ ومد، إن أردنا، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[41301]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: السبب.
[41302]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: مما.
[41303]:في ظ: بها ذلك.
[41304]:في ظ: بها ذلك.
[41305]:زد بعده في مد: حال.
[41306]:من م، وفي الأصل و ظ ومد "و".
[41307]:سقط من م.
[41308]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: تمكين.
[41309]:سقط من مد.
[41310]:في ظ: مجادلة.
[41311]:من م ومد، وفي الأصل: المشاهدة، وفي ظ: الساهدة.
[41312]:في ظ: له بحسب.
[41313]:تقدم في الأصل على " العلم" والترتيب من ظ و م ومد.
[41314]:زيد من م ومد.
[41315]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: هو.
[41316]:في ظ: اختصر.
[41317]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في.
[41318]:في م ومد: غريقون.
[41319]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: يجى- كذا.
[41320]:زيد من م ومد.
[41321]:من م ومد والقاموس، وفي الأصل و ظ: الميلة.
[41322]:من م ومد والقاموس، وفي الأصل و ظ: الكامل.
[41323]:من م ومد؛ وفي الأصل: بترك، وفي ظ: بتركيب.