نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (15)

فأجيب من كأنه قال : بماذا جوزوا ؟ بقوله : { اللهُ{[751]} يستهزىء بهم } أي يجازيهم على فعلهم بالاستدراج بأن يظهر لهم من أمره{[752]} المرذي{[753]} لهم ما لا يدركون وجهه فهو يجري عليهم في الدنيا أحكام أهل الإيمان ويذيقهم في الدارين أعلى هوان على معنى الشق والفتح وكذا أخواته من الفاء والعين نحو فلج بالجيم وفلق وفلذ وفلى .

قال مجدداً لهم ذلك بحسب استهزائهم ، وذلك أنكأ من شيء دائم توطّن النفس عليه ، فلذلك عبر بالفعلية دون الاسمية . مع أنها تفيد صحة التوبة لمن تاب دون الاسمية .

{ ويمدهم } من المد{[754]} بما يلبس عليهم . وقال الحرالي : من المدد وهو مزيد متصل في الشيء من جنسه ، { في طغيانهم } {[755]}أي تجاوزهم الحد في الفساد . وقال الحرالي : إفراط اعتدائهم حدود الأشياء ومقاديرها انتهى . وهذا المد بالإملاء لهم حال كونهم { يعمهون } أي يخبطون خبط الذي لا بصيرة له أصلاً . قال الحرالي : من العمه وهو انبهام الأمور التي فيها دلالات ينتفع بها عند فقد الحس فلا يبقى له سبب يرجعه عن طغيانه ، فلا يتعدون حداً إلا عمهوا فلم يرجعوا عنه فهم أبداً متزايدو الطغيان - انتهى .


[751]:زيد في م ومد أي الملك الأعلى، والعبارة الآتية من هنا إلى "وجهه" ساقطة من م
[752]:قال أبو البركات محمود النسفي في تفسيره المسمى بمدارك التنزيل واستئناف قوله "الله يستهزئ بهم" من غير عطف في غاية الجزالة والفخامة وفي أن الله تعالى الذي يستهزئ بهم الاستهزاء الأبلغ الذي ليس استهزاؤهم إليه باستهزاء لما ينزل بهم من النكال والذي والهوان، ولما كانت نكايات الله وبلاياه تنزل عليهم ساعة فساعة قيل "الله يستهزئ بهم" ولم يقل: الله مستهزئ بهم.
[753]:هكذا في الأصل ومد، وفي م وظ: المردى
[754]:قال البيضاوي: من مد الجيش وأمده إذا زاده وقواه، ومنه مددت السراج والأرض إذا استصلحتهما بالزيت والسماء، لا من المد في العمر فإنه يعدى باللام
[755]:والطغيان بالضم والكسر كلقيان ولقيان تجاوز الحد في العتو والغلو في الكفر وأصله تجاوز الشيء عن مكانه ...والعمه في البصيرة كالعمى في البصر وهو التحير في الأمر يقال رجل عامه وعمه وأرض عمياء لا منار بها، قال أعمى الهدى بالجاهلين العمه – انتهى.