ولما أردف البيان لأوصاف المؤمنين التعريف بأحوال الكافرين وكانوا قد انقسموا على{[618]} مصارحين ومنافقين{[619]} وكان المنافقون قسمين جهالاً من مشركي العرب وعلماء من كفار بني إسرائيل كان الأنسب ليفرغ من قسم برأسه على عجل البداءة أولاً بالمصارحين فذكر ما أراد من أمرهم في آيتين ، لأن أمرهم أهون وشأنهم أيسر لقصدهم بما يوهنهم بالكلام أو بالسيف على أن ذكرهم على وجه يعم جميع الأقسام{[620]} فقال مخاطباً{[621]} لأعظم المنعم{[622]} عليهم على وجه التسلية والإعجاز في معرض الجواب لسؤال من كأنه قال{[623]} : هذا حال الكتاب للمؤمنين فما حاله للكافرين ؟ { إن الذين كفروا } أي حكم ، بكفرهم دائماً{[624]} حكماً نفذ ومضى فستروا{[625]} ما أقيم من الأدلة على الوحدانية عن العقول التى هيئت لإدراكه والفطر الأولى التي خلصت عن مانع يعوقها عن الانقياد له وداموا على ذلك بما دل عليه السياق بالتعبير عن أضدادهم بما يدل على تجديد الإيمان على الدوام واللحاق بالختم{[626]} والعذاب ، ولعله عبر بالماضي والموضع للوصف تنفيراً من مجرد إيقاع الكفر ولو للنعمة وليشمل{[627]} المنافقين وغيرهم .
ولما دل هذا الحال على أنهم عملوا ضد ما عمله المؤمنون من الانقياد كان المعنى{[628]} { سواء عليهم أأنذرتهم } أي إنذارك{[629]} في هذا الوقت بهذا الكتاب{[630]} { أم لم تنذرهم } أي وعدم إنذارك{[631]} فيه و{[632]}بعده وقد انسلخ عن أم والهمزة معنى الاستفهام ، قال سيبويه : جرى هذا على حرف{[633]} الاستفهام كما جرى على حرف{[634]} النداء{[635]} في قولك : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة . انتهى . ولعله عبر بصورة الاستفهام وقد سلخت عن معناه إفهاماً لأنهم توغلوا في الكفر توغل من وصل في الحمق إلى أنه لو شاهد{[636]} الملك يستفهمك عنه ما آمن .
ولما كان كأنه قيل في أي شيء استوت حالتاهم{[637]} قيل في أنهم { لا يؤمنون } وهي دليل على خصوص كونه هدى للمتقين{[638]} وعلى وقوع التكليف بالممتنع لغيره فإنه سبحانه كلفهم الإيمان وأراد منهم الكفران ، فصار ممتنعاً لإرادته عدم وقوعه ، والتكليف به جار على سنن الحكمة فإن إرادة عدم إيمانهم لم تخرج إيمانهم عن حيز الممكن فيما يظهر ، لعدم العلم بما أراد الله من كل شخص بعينه ، فهو على سنن الابتلاء ليظهر في عالم الشهادة المطيع من غيره لإقامة الحجة ؛ ويأتي في الصّافّات عند
{ افعل ما تؤمر{[639]} }[ الصافات : 102 ] تتمة لهذا{[640]} .
قال الحرالي : فحصل بمجموع قوله : { سواء عليهم } إلى آخره وبقوله : { لا يؤمنون } خبر تام عن سابقة أمرهم ولاحقة كونهم ، فتم بالكلامين الخبر عنهم خبراً واحداً ملتئماً كتباً سابقاً وكوناً لاحقاً . انتهى . وكل موضع ذكر فيه الكفر فإنما عبر به إشارة إلى أن الأدلة الأصلية في الوضوح بحيث لا تخفى{[641]} على أحد ولا يخالفها إلا من ستر مرآة عقله إما عناداً وإما بإهمال النظر السديد والركون إلى نوع تقليد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.