ولما قرر سبحانه وتعالى شمول علمه أتبعه دليله{[14610]} من تمام قدرته فقال : وقال الحرالي : ولما كان كل تفصيل{[14611]} يتقدمه بالرتبة مجمل{[14612]} جامع ، وكانت تراجم السورة موضع الإجمال ليكون تفصيلها موضع التفاصيل ، وكان من المذكور في سورة الكتاب ما وقع من اللبس كذلك كان في هذه السورة التي ترجمها جوامع إلهية ما وقع من اللبس{[14613]} في أمر الإلهية في أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ، فكان في هذه الآية الجامعة توطئة لبيان الأمر في شأنه عليه السلام من حيث إنه مما صور في الرحم{[14614]} وحملته الأنثى ووضعته ، وأن جميع ما حوته السماء والأرض لا ينبغي أن{[14615]} يقع فيه لبس{[14616]} في أمر الإلهية ؛ انتهى فقال مبيناً أمر قدرته بما لا يقدر عليه عيسى عليه الصلاة والسلام ولا غيره : { هو } أي وحده { الذي } وقرعهم بصرف القول من الغيبه إلى الخطاب ليعظم تنبههم على ما هم فيه من قهر المصور لهم على ما أوجدهم عليه مما يشتهونه و{[14617]} لا يفقهونه فقال : { يصوركم } أي بعد أن كنتم نطفاً من التصوير وهو إقامة الصورة . وهي تمام البادي التي{[14618]} يقع عليها حس{[14619]} الناظر لظهورها ، فصورة{[14620]} كل شيء تمام بدوه{[14621]} قال الحرالي : { في الأرحام } أي التي لا اطلاع لكم عليها بوجه ، ولما كان التصوير في نفسه أمراً معجباً وشيناً{[14622]} للعقل إذا تأمله وإن كان قد هان لكثرة{[14623]} {[14624]} الإلف باهراً{[14625]} {[14626]} فكيف بأحواله المتباينة{[14627]} وأشكاله المتخالفة المتباينة{[14628]} أشار إلى التعجب من أمره وجليل سره بآلة الاستفهام وإن قالوا : إنها في هذا{[14629]} الوطن شرط ، فقال : { كيف } أي كما { يشاء } أي على أي حالة أراد ، سواء عنده كونكم من نطفتي ذكر وأنثى أو نطفة أنثى وحدها{[14630]} دليلاً على كمال العلم والقيومية ، وإيماء إلى أن من صور في الأرحام كغيره من العبيد لا يكون إلا عبداً ، إذ الإله{[14631]} متعال عن ذلك لما فيه من أنواع{[14632]} الاحتياج والنقص . وقال الحرالي : فكان في إلاحة هذه الآية توزيع{[14633]} أمر الإظهار على ثلاثة{[14634]} وجوه تناظر وجوه التقدير{[14635]} الثلاثة التي في فاتحة{[14636]} سورة البقرة ، فينتج{[14637]} هدى وإضلالاً وإلباساً أكمل الله به وحيه ، كما أقام بتقدير الإيمان والكفر والنفاق خلقه فطابق الأمر الخلق فأقام الله سبحانه وتعالى بذلك قائم خلقه وأمره ، فكان في انتظام هذه الإفهامات أن{[14638]} بادي الأحوال الظاهرة عند انتهاء الخلق إنما ظهرت لأنها مودعة في أصل التصوير فصورة نورانية يهتدي بها وصورة ظلمانية يكفر لأجلها ، وصورة ملتبسة عيشية علمية يفتتن{[14639]} ويقع الإلباس والالتباس{[14640]} من جهتها ، مما لا يفي ببيانها إلا الفرقان المنزل على هذه الأمة ، ولا تتم إحاطة جميعها إلا في القرآن المخصوصة{[14641]} به أئمة هذه الأمة انتهى .
فقد علم أن التصوير في الرحم أدق شيء علماً وقدرة ، فعلم فاعله بغيره والقدرة عليه من باب الأولى فثبت{[14642]} أنه لا كفوء له ؛ فلذلك وصل به كلمة الإخلاص وقال الحرالي : ولما تضمنت إلاحة هذه الآية ما تضمنته من الإلباس والتكفير أظهر سبحانه وتعالى كلمة الإخلاص ليظهر نورها أرجاس تلك الإلباسات وتلك التكفيرات فقال : { لا إله إلا هو } إيذاناً بما هي له الإلباس{[14643]} والتكفير{[14644]} من وقوع الإشراك بالإلهية والكفر فيها والتلبس والإلتباس في أمرها ؛ فكان في طي هذا التهليل بشرى بنصرة{[14645]} أهل الفرقان وأهل القرآن على أهل الالتباس والكفران{[14646]} وخصوصاً على أهل الإنجيل الذين ذكرت كتبهم{[14647]} صريحاً في هذا التنزيل بل{[14648]} يؤيد إلاحته في التهليل إظهار الختم في هذه الآية بصفتي العزة المقتضية للانتقام من أهل عداوته والحكمة المقتضية{[14649]} لإكرام أهل ولايته ؛ انتهى فقال : { العزيز } أي الغالب غلبة{[14650]} لا يجد معها المغلوب وجه مدافعة{[14651]} ولا انفلات{[14652]} ، ولا معجز له في إنفاذ{[14653]} شيء من أحكامه { الحكيم * } أي الحاكم بالحكمة ، فالحكم{[14654]} المنع عما يترامى إليه المحكوم عليه وحمله{[14655]} على ما يمتنع منه من جميع أنواع الصبر ظاهراً بالسياسة العالية نظراً له ، والحكمة العلم{[14656]} بالأمر الذي لأجله وجب الحكم{[14657]} من قوام أمر العاجلة وحسن العقبى في الآجلة ؛ ففي ظاهر ذلك الجهد ، وفي باطنه الرفق ، وفي عاجله الكره ، وفي آجله{[14658]} الرضى والروح ؛ ولايتم الحكم وتستوي الحكمة إلا بحسب سعة{[14659]} العلم ، فبذلك يكون تنزيل أمر العزة على وزن الحكمة قاله الحرالي بالمعنى{[14660]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.