بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (6)

ثم أخبر عن صنعه ، ليعتبروا بذلك فقال تعالى : { هُوَ الذي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاء } أي يخلقكم كيف يشاء قصيراً أو طويلاً ، حسناً أو ذميماً ، ذكراً أو أنثى .

ويقال : شقيّاً أو سعيداً . وهذا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الشقي من شقي في بطن أمّه ، والسعيد من سعد في بطن أمه ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « الوَلَدُ يَكُونُ في بَطْنِ أُمِّهِ ، يكونُ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً ، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْماً ، ثُمَّ يُنْفَخُ فيهِ الرُّوحُ ، ثُمَّ يُكْتَبُ شَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ »

وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ، ليسألوا ما عنده من الحديث . فقال لهم : إني مشغول بأربعة أشياء ، فلا أتفرغ لرواية الحديث فقيل له : وما ذاك الشغل ؟ فقال أحدها : إني أتفكر في يوم الميثاق . حيث قال : هؤلاء في الجنة ، ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي ، فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت . والثاني حيث صوّرني في رحم أمي فقال الملك الموكل على الأرحام : يا رب شقي أم سعيد ؟ فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت . والثالث حيث يقبض روحي ملك الموت فيقول : يا رب أمع الكفار أم مع المؤمنين ؟ فلا أدري كيف يخرج الجواب . والرابع حيث يقول : { وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون } [ يس : 59 ] ، فلا أدري من أي الفريقين أكون . ثم قال تعالى : { لاَ إله إِلاَّ هُوَ } يعني لا خالق ولا مصور إلا هو { العزيز الحكيم } يعني المنيع بالنقمة لمن جحده { الحكيم } يحكم تصوير الخلق على ما يشاء .