نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

ولما فرغ من تأكيد ما قاله لقمان عليه السلام في الشكر والشرك فعلم ما أوتي من الحكمة ، وختمه بعد الوصية بطاعة الوالد بذكر دقيق الأعمال وجليلها ، وأنها في علم الله سواء ، حسن جداً{[53897]} الرجوع إلى تمام بيان حكمته{[53898]} ، فقال بادئاً بما يناسب ذلك من دقيق العلم ومحيطه المكمل لمقام التوحيد ، وعبر بمثقال الحبة{[53899]} لأنه أقل ما يخطر غالباً بالبال ، وهي من أعظم حاث على التوحيد الذي مضى تأسيسه : { يا بني } متحبباً مستعطفاً ، مصغراً{[53900]} له بالنسبة إلى حمل شيء من غضب الله تعالى مستضعفاً : { إنها } أي العمل ، وأنث لأنه في مقام التقليل{[53901]} والتحقير ، والتأنيث أولى بذلك ، ولأنه يؤول بالطاعة والمعصية و{[53902]}الحسنة والسيئة{[53903]} { إن تك } وأسقط النون لغرض الإيجاز في الإيصاء بما ينيل المفاز ، والدلالة على أقل الكون وأصغره { مثقال } أي وزن ، ثم حقرها بقوله : { حبة } وزاد في ذلك بقوله : { من خردل } هذا على قراءة الجمهور{[53904]} بالنصب ، ورفع المدنيان على معنى أن الشأن والقصة العظيمة أن توجد في وقت من الأوقات هنة هي أصغر شيء وأحقره - بما أشار إليه التأنيث .

ولما كان قد عرف أن{[53905]} السياق لماذا أثبت النون في قوله مسبباً عن صغرها : { فتكن } إشارة إلى ثباتها في مكانها . وليزداد تشوف{[53906]} النفس إلى محط الفائدة ويذهب الوهم{[53907]} كل مذهب لما علم من أن المقصد عظيم بحذف{[53908]} النون وإثبات هذه ، وعسرّها بعد أن حقرها بقوله معبراً عن أعظم الخفاء وأتم الإحراز : { في صخرة } أي أيّ صخرة كانت ولو أنها أشد الصخور وأقواها وأصغرها وأخفاها .

ولما أخفى وضيق{[53909]} ، أظهر ووسع ، ورفع وخفض ، ليكون أعظم لضياعها لحقارتها فقال : { أو في السماوات } أي في أيّ مكان كان منها على سعة أرجائها وتباعد أنحائها ، وأعاد " أو " {[53910]} نصاً على إرادة كل منهما على حدته ، والجار تأكيداً للمعنى فقال : { أو في الأرض } أي{[53911]} كذلك ، وهذا كما ترى لا ينفي أن تكون الصخرة فيهما أو في إحداهما{[53912]} ، وعبر له{[53913]} بالاسم الأعظم لعلو{[53914]} المقام فقال : { يأتِ بها الله } بعظم جلاله ، وباهر كبريائه وكماله ، بعينها لا يخفى عليه ولا يذهب شيء منها ، فيحاسب عليها{[53915]} ، ثم علل ذلك من علمه وقدرته بقوله مؤكداً إشارة إلى أن{[53916]} إنكار ذلك لما له من باهر العظمة من دأب النفوس إن لم{[53917]} يصحبها التوفيق : { إنّ الله } فأعاد الاسم الأعظم تنبيهاً على استحضار العظمة وتعميماً للحكم { لطيف } أي عظيم المتّ{[53918]} بالوجوه الخفية الدقيقة الغامضة في بلوغه إلى أي أمر أراده حتى بضد{[53919]} الطريق الموصل فيما يظهر للخلق { خبير * } بالغ العلم بأخفى الأشياء فلا يخفى عليه شيء{[53920]} ، ولا يفوته أمر .


[53897]:زيد من ظ وم ومد.
[53898]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: حكمه.
[53899]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الجنة.
[53900]:في الأصل بياض ملأناه من ظ وم ومد.
[53901]:في م: التعليل.
[53902]:في م: السيئة والحسنة.
[53903]:في م: السيئة والحسنة.
[53904]:راجع نثر المرجان 5/329.
[53905]:زيد من ظ وم ومد.
[53906]:في ظ: تشوق.
[53907]:زيد في ظ: عن.
[53908]:في ظ ومد: لحذر.
[53909]:زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[53910]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: "و".
[53911]:زيد من ظ ومد.
[53912]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أحدهما.
[53913]:سقط من ظ ومد.
[53914]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ليناسب.
[53915]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: عليه.
[53916]:زيد من ظ وم ومد.
[53917]:زيد من ظ وم ومد.
[53918]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بياض، وفي ظ: المتبر ـ كذا.
[53919]:في ظ: يصد.
[53920]:سقط من ظ.