نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم مِّن شَيۡءٖ وَمَا مِنۡ حِسَابِكَ عَلَيۡهِم مِّن شَيۡءٖ فَتَطۡرُدَهُمۡ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (52)

ولما أمره بدعاء من أعرض عنه ومجاهرته ، أمره بحفظ من تبعه وملاطفته ، فقال : { ولا تطرد الذين يدعون } وهم الفقراء من المسلمين { ربهم } أي المحسن إليه عكس ما عليه الكفار في دعاء من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ؛ ثم بين من حالهم من الملازمة ما يقتضي الإخلاص فقال : { بالغداة والعشي } أي في طرفي النهار مطلقاً أو بصلاتيهما أو يكون كناية عن الدوام ؛ ثم أتبع ذلك نتيجته{[29747]} فقال معبراً عن الذات بالوجه ، لأنه أشرف - على ما نتعارفه{[29748]} - وتذكّره يوجب التعظيم ويورث الخجل من التقصير : { يريدون وجهه } أي{[29749]} لأنه لو كان رياء{[29750]} لاضمحل على طول الزمان وتناوب الحدثان باختلاف الشأن .

ولما كان{[29751]} أكابر المشركين وأغنياؤهم قد وعدوه صلى الله عليه وسلم الاتباع إن طرد من تبعه ممن يأنفون{[29752]} من مجالستهم{[29753]} ، وزهدوه فيهم بفقرهم وبأنهم غير مخلصين في اتباعه ، إنما دعاهم إلى ذلك الحاجة ؛ بين له تعالى أنه لا حظ له في طردهم ولا في اتباع أولئك بهذا الطريق إلا من جهة الدنيا التي هو{[29754]} مبعوث للتنفير عنها ، فقال معللاً لما مضى أو مستأنفاً : { ما عليك } قدم الأهم عنده وهو تحمله { من حسابهم } وأغرق في النفي فقال{[29755]} : { من شيء } أي ليس لك إلا ظاهرهم ، وليس عليك شيء من حسابهم ، حتى تعاملهم بما يستحقون في الباطن من الطرد إن كانوا غير مخلصين { وما من حسابك } قدم أهم ما إليه أيضاً { عليهم من شيء } أي وليس عليهم شيء من حسابك فتخشى أن يحيفوا{[29756]} عليك فيه على{[29757]} تقدير غشهم{[29758]} ، أو ليس عليك{[29759]} من رزقهم شيء فيثقلوا به عليك ، وما من رزقك عليهم من شيء فيضعفوا عنه لفقرهم ، بل الرازق لك{[29760]} ولهم الله ؛ ثم أجاب النفي مسبباً عنه فقال : { فتطردهم } أي فتسبب عن أحد الشيئين{[29761]} طردك لهم ليقبل عليك الأغنياء فلا يكلفوك ما كان أولئك يكلفونك{[29762]} ، وإن كلفتهم ما كان أولئك عاجزين عنه أطاقوه ؛ والحاصل أنه يجوز أن يكون معنى جملتي { ما عليك من حسابهم } - إلى آخرهما راجعاً إلى آية الكهف

ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا{[29763]} }[ الكهف : 28 ] فيكون المعنى ناظراً إلى الرزق ، يعني أن دعاءك إلى الله إنما مداره الأمر الأخروي ، فليس شيء من رزق هؤلاء عليك حتى تستنفر{[29764]} بهم وترغب في الآغنياء ، ولا شيء من رزقك عليهم فيعجزوا{[29765]} عنه ، وفي اللفظ من كلام أهل اللغة ما يقبل هذا المعنى ؛ قال صاحب{[29766]} القاموس وغيره : الحساب : الكافي ومنه { عطاء حساباً }[ النبأ : 36 ] وحسّب فلان فلاناً : أطعمه وسقاه حتى شبع وروي . و{[29767]} قال أبو عبيد الهروي : يقال : أعطيته فأحسبته ، أي أعطيته الكفاية حتى قال : حسبي{[29768]} ، وقوله {[29769]}{ يرزق من يشاء{[29770]} بغير حساب }[ البقرة : 212 ] أي بغير{[29771]} تقتير وتضييق{[29772]} ، وفي حديث سماك : ما حسبوا ضيفهم ، أي ما أكرموه ، وقال ابن فارس في المجمل : وأحسبته : أعطيته ما يرضيه ، وحسّبته أيضاً ، وأحسبني الشيء : كفاني .

ولما نهاه عن طردهم مبيناً أنه ضرر لغير{[29773]} فائدة ، سبب عن هذا النهي قوله { فتكون من الظالمين * } أي بوضعك الشيء في غير محله ، فإن طردك هؤلاء ليس سبباً لإيمان أولئك ، وليس هدايتهم إلا إلينا ، وقد طلبوا منا فيك لما فتناهم بتخصيصك بالرسالة ما لم يخف عليك من قولهم{ لولا أنزل عليه ملك }[ الأنعام : 8 ] ونحوه مما أرادوا به الصرف عنك ، فكما لم نقبلهم{[29774]} فيك فلا تقبلهم أنت في أوليائنا ، فإنا فتناهم بك حتى سألوا فيك ما سألوا{[29775]} وتمنوا ما تمنوا{[29776]}


[29747]:من ظ، وفي الأصل: ملجية- كذا.
[29748]:في ظ: يتعارفه.
[29749]:سقط من ظ.
[29750]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29751]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[29752]:في ظ: تابعون- كذا.
[29753]:من ظ، وفي الأصل: لستهم- كذا.
[29754]:في ظ: هي.
[29755]:من ظ، وفي الأصل: صار.
[29756]:من ظ، وفي الأصل: يخففوا.
[29757]:سقط من ظ.
[29758]:من ظ، وفي الأصل: عتهم- كذا.
[29759]:من ظ، وفي الأصل: لك.
[29760]:من ظ، وفي الأصل: ذلك.
[29761]:من ظ، وفي الأصل: السنن- كذا.
[29762]:في ظ، يكلفونكه.
[29763]:آية 28.
[29764]:في ظ، يستثقل- كذا.
[29765]:من ظ، وفي الأصل: فتعجزوا.
[29766]:زيد من ظ.
[29767]:سقط من ظ.
[29768]:في ظ، حسبني.
[29769]:من ظ، وفي الأصل: نرزق من نشاء، وقد ورد في عدة مواضع من القرآن بالغيبة.
[29770]:من ظ، وفي الأصل: نرزق من نشاء، وقد ورد في عدة مواضع من القرآن بالغيبة.
[29771]:من ظ، وفي الأصل: تعبر ولصق- كذا.
[29772]:من ظ، وفي الأصل: تعبر ولصق- كذا.
[29773]:في ظ: بغير.
[29774]:في ظ: لم يقبلهم.
[29775]:زيد من ظ.
[29776]:زيد من ظ.