نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمًا عَمِينَ} (64)

ولما نسبوه أولاً إلى الضلال وهو قد يكون خطأ عن ذهول ونحوه ، فأقام لهم الدليل على{[32478]} أنه على الصواب ، أخبر أنه لم يتسبب عن ذلك إلا تصريحهم بما لوحوا إليه أولاً بالضلال من التكذيب فقال : { فكذبوه } أي الملأ وتبعهم من دونهم ؛ ولما تسبب{[32479]} عن تكذيبهم له تصديق الله لهم بإهلاكهم وإنجائه{[32480]} ومن آمن به ، قال مقدماً لإنجائه اهتماماً به : { فأنجيناه } بما لنا من العظمة من أهل الأرض كلهم ومن عذابنا الذي أخذناهم به{[32481]} : { والذين معه } أي بصحبة الأعمال الدينية { في الفلك } وهو السفينة التي منّ الله على الناس بتعليمه عملها{[32482]} لتقيه من الطوفان فكانت{[32483]} آية ومنفعة عظيمة لمن أتى بعدهم { وأغرقنا } أي بالطوفان ، وهو الماء الذي طبق ظهر الأرض فلم يبق منها موضعاً حتى أحاط به ، وأظهر موضع الإضمار تعليقاً للفعل بالوصف إشارة إلى أن من فعل مع الرسول شيئاً فإنما فعله مع مرسله فهو يجازيه بما يستحقه فقال : { الذين كذبوا بآياتنا } أي وهي من الظهور في حد لا خفاء به لما لها من العظمة بالنسبة إلينا ، وعدي هنا فعل النجاة بالهمزة{[32484]} وهي الأصل في التعدية ، وقرنت ب { الذين } لأنه أخلص الموصولات وأصرحها .

ولما أعيدت القصة في سورة يونس عليه السلام ، كان الأليق بكلام البلغاء والأشبه بطرائق الفصحاء التفنن في العبارة ، فعدي التضعيف مع ما فيه من الأبلغية بإفهام مزيد الاعتناء مناسبة لما تقدم{[32485]} من مزيد التفويض في قوله{ فأجمعوا أمركم وشركاءكم }{[32486]} ، وتلا ب { من } ضماً للفرع إلى الفرع فإن { من } مشترك بين الوصل والشرط ، وهي أيضاً قد تطلق على ما لا يعقل ، فناسب ذلك الحال ، وزيد هناك في وصف الناجين{ وجعلناهم خلائف }{[32487]} نظراً إلى قوله تعالى في{[32488]} أول السورة{ ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا }{[32489]} ، ثم{[32490]} قال :{ ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم{[32491]} لننظر كيف تعملون }[ يونس : 14 ] فلوح لهم بالإهلاك إن ظلموا ، ثم أشار لهم - في قصة نوح عليه السلام بكونه أعلمهم أن الخلائف هم الناجون الباقي ذكرهم وذريتهم - إلى أنه تفضل عليهم بالتوفيق إلى الإجابة ورحمهم بهذا النبي الكريم - عليه أفضل الصلاة والتسليم - فقضى أنهم غير مهلكين .

ولما افتتحت القصة بنسبتهم له إلى الضلال باطلاً ، وهو ناشىء عن عمى البصيرة أو البصر ، ناسب أن يقلب الأمر عليهم على وجه الحق فقال مؤكداً لإنكارهم ذلك { إنهم كانوا } أي لما في جبلتهم من العوج { قوماً عمين* } أي مطبوعين في عمى القلب مع قوتهم يحاولونه ، ثابت لهم ذلك ، بما أشار إليه فعل دون أن يقال فاعل ، وختمت القصة في يونس بقوله فانظر كيف كان عاقبة المنذرين }{[32492]} لقوله أولها{ إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري }{[32493]} أي إنذاري لأنه أعلم أنه كبر{[32494]} عليهم ولو كان تبشيراً{[32495]} لما عز عليهم .


[32478]:- سقط من ظ.
[32479]:- من ظ، وفي الأصل: سبب.
[32480]:-زيد بعده في الأصل: بهم، ولم تكن الزيادة في ظ فحذفناها.
[32481]:- من ظ، وفي الأصل: فيه.
[32482]:- في ظ: علمه-كذا.
[32483]:- من ظ، وفي الأصل: وكانت.
[32484]:- في ظ: بالهمز.
[32485]:- زيد من ظ.
[32486]:- آية 71.
[32487]:- زيد بعده في الأصل: الأرض، ولم تكن الزيادة في ظ ولا في القرآن الكريم سورة 10 آية 73 فحذفناها.
[32488]:-زيد من ظ.
[32489]:- آية 13.
[32490]:- من ظ والقرآن الكريم آية 14، وفي الأصل "و".
[32491]:- من ظ والقرآن الكريم، وفي الأصل: بعدكم.
[32492]:- آية 73.
[32493]:- آية 71.
[32494]:- من ظ، وفي الأصل: أكبر.
[32495]:- من ظ، وفي الأصل: بشيرا.