إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيۡنَٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥ فِي ٱلۡفُلۡكِ وَأَغۡرَقۡنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمًا عَمِينَ} (64)

{ فَكَذَّبُوهُ } فتمّوا على تكذيبه في دعوى النبوةِ وما نزل عليه من الوحي الذي بلّغه إليهم وأنذرهم بما في تضاعيفه ، واستمرّوا على ذلك هذه المدةَ المتطاولةَ بعد ما كرر عليه الصلاة والسلام عليهم الدعوةَ مراراً ، فلم يزدهم دعاؤُه إلا فراراً حسبما نطق به قولُه تعالى : { رَبّ إِنّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } [ نوح ، الآية 5 ] ، إذ هو الذي يعقُبه الإنجاءُ والإغراقُ لا مجرّدُ التكذيب { فأنجيناه والذين مَعَهُ } من المؤمنين ، قيل : كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأةً وقيل : تسعةً : أبناؤُه الثلاثة وستةٌ ممّن آمن به ، وقوله تعالى : { في الفلك } متعلقٌ بالاستقرار في الظرف أي استقروا في الظرف ، أي استقروا معه في الفلك أو صحِبوه فيه ، أو بفعل الإنجاء أي أنجيناهم في السفينة ، ويجوز أن يتعلق بمُضْمر وقع حالاً من الموصول أو من ضميره في الظرف { وأغرقنا الذين كذَّبُوا بِآيَاتِنَا } أي استمروا على تكذيبها ، وليس المرادُ بهم الملأَ المتصدِّين للجواب فقط بل كلَّ من أصرّ على التكذيب منهم ومن أعقابهم ، وتقديمُ ذكرِ الإنجاءِ على الإغراق للمسارعة إلى الإخبار به ، والإيذانِ بسبق الرحمةِ التي هي مقتضى الذاتِ ، وتقدُّمِها على الغضب الذي يظهر أثرُه بمقتضى جرائمِهم { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً عَمِينَ } عُمْيَ القلوبِ غيرَ مستبصرين . قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : عمِيَتْ قلوبُهم عن معرفة التوحيد والنبوةِ والمعاد ، وقرئ عامِينَ والأولُ أدلُّ على الثبات والقرار .