نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

ولما كانت الموت موتين : حسياً ومعنوياً - كما أشير إليه في الأنعام في آية{ إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله }{[32425]} { أو من كان ميتاً فأحييناه }{[32426]} كان كأنه قيل : لا فرق في ذلك عندنا بين أموات {[32427]}الإيمان وأموات الأبدان{[32428]} ، فكما أنا فاوتنا بين جواهر الأراضي بخلق بعضها جيداً وبعضها رديئاً كذلك فاوتنا بين عناصر الأناسي بجعل بعضها طيباً وبعضها خبيثاً ، فالجيد العنصر يسهل إيمانه{[32429]} ، والخبيث الأصل يعسر إذعانه وتبعد استقامته وإيقانه { والبلد الطيب } أي{[32430]} الذي طابت أرضه فكانت كريمة منبتة { يخرج نباته } أي إذا {[32431]}نزل عليه{[32432]} الماء خروجاً كثيراً حسناً سهلاً {[32433]}غزيراً{[32434]} { بإذن } أي بتمكين { ربه } أي المربي له بما هيأه{[32435]} له ، والذي طاب في الجملة ولم يصل إلى الغاية يخرج له نبات دون ذلك ، والخبيث لا يخرج له نبات أصلاً بمنع ربه له{[32436]} { والذي خبث } أي حصلت له خباثة في جبلته بكون أرضه سبخة أو نحوها مما لم يهيئه الله تعالى للإنبات { لا يخرج } أي نباته { إلا } أي{[32437]} حال كونه { نكداً } أي قليلاً ضعيف المنفعة ، وهو - مع كونه دالاً على أن ذلك ما كان على ما وصف مع استواء الأراضي في الأصل واستواء المياه ونسبتها إلى الأفلاك والنجوم إلا بالفاعل المختار - مثل ضربه سبحانه للمؤمن والكافر عند سماعهما للذكر من الكتاب والسنة ، والآية من الاحتباك .

ولما استوت هذه الآيات على الذروة من بدائع الدلالات ، كان السامع جديراً بأن يقول : هل تبين جميع هذه الآيات هذا البيان ؟ فقيل : { كذلك } أي نعم ، مثل هذا التصريف ، وهو الترديد مع اختلاف الأنحاء لاختلاف الدلالات وإبرازها في قوالب الألفاظ الفائقة والمعاني الرائقة في النظوم المعجزة على وجوه لا تكاد تدخل تحت الحصر : { نصرف الآيات } أي كلها ؛ ولما تم ذلك على هذا المنهاج الغريب والمنوال العجيب المذكر بالنعم في أسلوب دال على التفرد وتمام القدرة ، كان أنسب الأشياء ختمه بقوله مخصصاً بها المنتفع لأنها بالنسبة إلى غيرهم كأنها لم توجد : { لقوم يشكرون* } أي يوجد منهم الشكر للنعم وجوداً مستمراً فلا يشركون بل ينتفعون بما أنعم عليهم به وحده في عبادته وحده ، وينظرون بعقولهم أنه أقدرهم بنعمه على ما هم عاجزون عنه ، فلا يسلبون عنه شيئاً من قدرته على بعث ولا غيره فإنهم يزعمون أنهم أهل معالي الأخلاق التي منها أنه ما جزاء الإحسان إلاّ الإحسان .


[32425]:- آية 36.
[32426]:- آية 122.
[32427]:- في ظ: الأبدان وأموات الإيمان.
[32428]:- في ظ: الأبدان وأموات الإيمان.
[32429]:- من ظ، وفي الأصل: إتمامه.
[32430]:- زيد من ظ.
[32431]:- في ظ: أنزل عليها.
[32432]:- في ظ: أنزل عليها.
[32433]:- زيد من ظ.
[32434]:- سقط من ظ.
[32435]:- من ظ، وفي الأصل: هيا.
[32436]:من ظ، وفي الأصل: الآية.
[32437]:- من ظ، وفي الأصل: الآية.