نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهۡطِعِينَ} (36)

ولما تحرر بهذا الكلام الإلهي الذي يشك عاقل في أن مخلوقاً لا يقدر عليه ، وأنه لا يقدر عليه إلا الله الواحد الذي لا شريك له ، العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء ، أنه لا يتفصى عن نقائص الإنسان حتى يتخلص من ظلمات النقصان إلى نور الإحسان إلا من لازم هذه الأوصاف وزكى نفسه بها{[68451]} ليصير كاملاً{[68452]} مع العلم القطعي عند المسلم والكافر أن الكمال سبب السعادة ، وأن الإنسان مطبوع على ما{[68453]} صدر به سبحانه من النقائص ، علم أن المتصفين بهذه الأوصاف هم المختصون بالسعادة الأخروية ، وكان الكفار يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ويجلسون حوله بالقرب منه ليسمعوا كلامه ويكذبوه ويهزؤوا به ، وكان العاقل لا ينبغي له أن يأتي شيئاً{[68454]} لا سيما إن كان إتيانه إليه على هيئة الإسراع إلا لتحصيل السعادة ، سبب عن ذلك قوله معبراً عن عظمة القرآن بما حاصله أنهم حين يسمعونه يصيرون لشدة ما يفزعهم أمره{[68455]} لا يتمالكون فيفعلون أفعال من لا وعي له : { فمال الذين كفروا } أي أي شيء من السعادة للذين ستروا مرائي عقولهم عن الإقرارا بمضمون هذا الكلام الذي هو أوضح من الشمس ، حال كونهم { قبلك } أي نحوك أيها الرسول الكريم وفيما أقبل عليك { مهطعين * } أي مسرعين مع مد{[68456]} الأعناق وإدامة النظر إليك في غاية العجب من مقالك هيبة من يسعى إلى أمر لا حياة له بدونه .


[68451]:- زيد من ظ وم.
[68452]:- زيد من ظ وم.
[68453]:- زيد من ظ وم.
[68454]:- من ظ وم، وفي الأصل: اشيا.
[68455]:- من م، وفي الأصل وظ، أمرهم.
[68456]:- زيد من ظ وم.